وكانت "نانوته" تحتضن مزارع كثيرة جدّا، تنبت الزرع، يملكها حضرة الشيخ، فكان يقول لضيوفه: ما تكلّفنا في إعداد الرزّ لأجلكم شيئا، وإنما يغلّ لنا الأرزّ أراضينا المترامية الأطراف هذه، فأعددناه، وقدّمناه لكم، وكان يغلو في نفقات الضيافة، فذات مرة قدّم إلى المائدة شيئا وافرا من السمن، مع كهجري، وهو طبيخ معروف مزيج من الرزّ والعدس، والضيوف يبلغون عشرة أو خمسة عشر، فاستكثره الشيخ رشيد أحمد، فنصّفه نصفين، نصفا أمسكه، ونصفا أرسله إلى البيت، وذات يوم أراد أن يعلف بعض الدوابّ، التى قدم عليها الضيف، فطلب حمصا، فلم يجده، وفي البيت حمص كابلي، يعتبر من أنفس أنواع الحمص، فأمر برضّه، فرضّ، فقدّمه علفا للدابة، وهكذا بلغ حضرة الشيخ من القرى والضيافة منتهاها.
[بعض ما رآه فيما يرى النائم وهو صبي]
أذكر أن حضرة الشيخ رأى وهو صبي فيما يرى النائم أنه أتاه أجله، فمات، فدفنواه في قبره، ورجعوا، فأتاه جبريل في قبره، وبيده بعض الجواهر الغالية، وقال له: هذه أعمالك، وفيها جوهرة جميلة كبيرة جدا، فقال: هذه عمل خليل الله إبراهيم، عليه السلام.
ورأى أيام دراسته، وهو نائم أنه وقف فوق بيت الله الحرام، وتنبع منه الآلاف من الأنهار، فذكره لوالده، فأوّل له بأن القوم سيكثرون من الانتفاع بعلمه.
[إباؤه من التوظف]
عقد له والده النكاح ظنّا منه أنه كسائر أترابه، سيتولى خدمة من الخدمات، تدرّ عليه ما لا يعيش به، وينفقه عندما تحيط به الهموم، فأنقضت مدة مديدة، ولم يصدق أمله فيه، فأصابه اليأس، وأقلقه كثيرا أن يراه خامل، لا يكسب عيشا، بينما يرى أبناء إخوته قد تلقّوا الدراسات، ونالوا وظائف