أشهِدُ الله عزّ وجلّ أني ما رأيت في حياتي رجلًا في طول شبه القارة الهندية وعرضه يجلس على منصّة الخطابة والوعظ، فيمتلك مشاعر المستمعين وقلوبهم مثله، بغزارة علمه، ووفرة اطلاعه، وكثرة محفوظاته، وتعمّقه في الكتاب والسنّة، وتشبّعه بأسرار الشريعة، وبروعة عرضه للدلائل على حقّية الإسلام وأحكامه وشرائعه، وبعذوبة منطقه، وجمال مظهره، وحسن هندامه، وبديع بيانه، وسلاسة لسانه، كأنه عندليب يغنِّي، أو ملك يتكلّم، يجري في خطابه في هدوء وعلى نسق واحد، كالأنهار الجارية في السهول، يستمع إليه الحاضرون ثلاث ساعات متتاليات أو أكثر دون أن يساورهم ملل، جلّ محاضراته في أيّ من المواضيع الإسلامية تطول أكثر من ساعتين على الأقلّ، يتحدّث ارتجالا دون أن يخونه التعبير أو تنقصه المعلومات، وكأن الألفاظ والمعاني كانت رهن إشارته. وقد رأينا المستمعين رغم كون محاضراته طويلة النفس يشكون في النهاية دائما عدم التشبّع، ويتطلّبون المزيد، كأنهم حرموا صحبة ممتعة، أو ظلّا ظليلا، أو أغنية مطربة تغذي الروح، أو حلوى غير عادية في اللذَّة والحلاوة، كانوا يتناولونها، فنزعت من أفواههم.
وكان القائمون على المؤسّسات والمدارس والجامعات الإسلامية في كلّ مكان ينتهزون وجوده، ويعقدون المناسبة دون تحضير مسبق، فيتوافد الناس لاستماع كلمته، وينجذبون إلى مكان الحفل فور علمهم بانعقاده، انجذاب القطع الحديدية للمغناطيس.
وكانت تكون خطاباته مملوءة بالاستشهاد بنصوص الكتاب والسنّة وأقوال السلف بألفاظهم، ومجملة بقصص طريفة، ونكت لطيفة، وإشارات دقيقة، تنشط الأذهان، وتبعث الدروس، وتشحذ الإيمان، وتصقل القلوب، وتحرّك الهمم، وتلفت الأنظار إلى مغزى آيات الله، المبعثرة في الكون.