في كل زاوية من زواياه، وتلوح صور العبادة والذكر على جبين كل ساكن من سكّانه، كان أبوه (صوفي أحمد حسين) ثريا متوسّطا وتاجرا، كما أنه كان إقطاعيا أيضا.
وقد صعد في تجارته وإقطاعيته، لكن لم يكن الهم الأكبر له الحصول على الدنيا والتلهّف إليها، بل كان يغلب فكره الديني فكره الدنيوي، وكان مثال صحيحا، ودليلا ناطقا حيا، للذاكرين والذاكرات، فسلمه والده إلى الكتاب، وتلقّى ابنه هناك التعليمي الابتدائي اللابدي لكل مبتدئ من قراءة القرآن وتجويده، وتعلم اللغة الأردية والفارسية ثم العربية، ثم ألحقه أبوه بمدرسة كان يدرّس بها العالم الماهر الكبير للعلوم والفنون الرائجة في ذلك العصر من النحو، والصرف، والمنطق، والبلاغة، وكان ذلك العالم المفتي محمد نعيم اللدهيانوي رحمه الله، فدرس عليه الشيخ العلامة محمد منظور أحمد النعماني، وعلى الأساتذة الآخرين جميع العلوم والفنون الضرورية، وتفوق فيها، واكتسب فيها المهارة، حتى درس الكتب التي لم تكن داخلة أنذاك في منهج تعليم ذلك العصر.
[انتسابه إلى دار العلوم ديوبند]
آن الآن أوان تلقيه لعلوم التفسير والحديث والفقه ليكمل بها سفره العلمي السعيد، وكان دار العلوم ديوبند منهلا عذبا، صافيا مورودا لعطاش العلم، وكانت أكبر مركز للعلوم الدينية في شبه القارة الهندية، فأرسله أبوه إلى دار العلوم ديوبند، رغم أن فكره الدينية لم تكن تنسجم مع فكرة دار العلوم ديوبند في ذلك العصر، لأنه وإن كان عابدا ذاكرا، لكن فكرته كانت فكرة أهل البدعة، فكان يقوم بالأعمال البدعية من الأعراس والمواليد وتقديم النذور وما إلى ذلك، لكن الله أراد هدايته وإرشاده إلى الصراط المستقيم بهذا الطريق، فقد اهتدى بعد ذلك، واتبع السنة السنية، ورفض جميع ما كان عليه من