وروى ابن عبد البر عن ابن جرير، وأن أبا يوسف كان فقيها عالما حافظا كثير الحديث، تحامى حديثه قوم من أهل الحديث، من أجل غلبة الرأي عليه، وتفريعه الفروع والمسائل في الأحكام، مع صحبة السلطان، وتقلده القضاء. اهـ. ثم قال ابن عبد البر: كان يحيى بن معين يثني عليه، ويوثّقه، وأما سائر أهل الحديث فهم كالأعداء لأبي حنيفة وأصحابه، وحيث لم يرحل ابن عبد البر إلى الشرق، خفي عليه كثير من أقوال المشارقة في ذلك، وقد سبق نقل كثير منها، وضيق صدر النقلة نحوهم له أسباب مشروحة في "التأنيب".
[كلمة في المخارج والتدابير الفقهية في التخليص من المآزق]
ينسب إلى أبي يوسف كثير من الحيل في تخليص الناس من الحرج، وذكرت فيما علّقت على "زغل العلم" للذهبي أن التحيّل المفضي إلى إلغاء الحكم في تشريع الأحكام لا يصدر إلا ممن ضعف دينه ومرض يقينه، وأما تطلّب المخلص من المآزق من غير إبطال حقّ وإحقاق باطل بتدابير لطيفة لا تصطدم مع النصوص فمما ندب الله ورسوله إليه، وجرى سلف الأئمة وخلفهم عليه، وتبيين وجوه ذلك يدلّ على براعة وقوة ذكاء بشرط أن لا يؤدّي إلى ما أسلفناه.
وأجرأ المتفقّهين على التوسّع في التحيّل أدومهم صلة بالقضاء، ومن وجوه التحيل الذميم الإفتاء بأقوال شاذّة لا تدعمها الحجج، وبروايات ضعيفة، لا تقوي إمام النقد مهما يهرجها المموه وزخرفها، ومن يقع منه هذا بقلة ورع فالله حسيبه، أما ما يعزى لأبي يوسف من أنه اتصل بالرشيد بحيل شرعية أجابه بها، فولاه القضاء، فكذب مختلق عليه، -كتخصيص مالك الرشيد برخص (في كتاب السر المعزوّ إليه) -، لأنه ولي القضاء في عهد