وعن أسد بن الفرات كان أبو يوسف ينظر بين خصمين بحضرة هارون الرشيد، فتوجّه القاضي على أحدهما، قال: فجثا الرشيد، وأقبل ببصره نحو أبي يوسف حتى أنفذ القضاء، ثم قال: هكذا أفعل أنا وسائر من معي، حتى ينفذ قضاء يعقوب.
وذكر الصيمري ما رفع إلى أبي يوسف من قتل مسلم عمدا لذمّي، وقيام البينة على ذلك، وحبس القاتل، وهجو بعضهم لأبي يوسف بأبيات يرميه فيها بقتله المسلم بالكافر، وبلوغ الأمر إلى الرشيد، ورغبته في إسقاط القصاص، وإسقاط أبي يوسف القصاص بعدم تمكّن ولي الدم من إثبات أن القتيل كان يؤدي الجزية، ومنع القود لهذا السبب.
وقتل المسلم بسبب قتله لذمّي مسألة خلافية أدخلتها مشروحة في الكتب المبسوطة، وقال القرتبي: إنما أمر بحبس القاتل لينظر في أمره هل يتبين من حال المقتول ما يوجب القصاص، فيقتصّ من قاتله، أو يظهر ما يسقط القصاص، فلا يقتصّ منه، فلمّا ظهر ما يسقط القصاص منع القصاص. اهـ.
وأقام النكير على من يزعم من المخالفين إن كان ثبت عنده وجود القصاص، فكيف أسقطه بهذه الحيلة، وإن لم يثبت فكيف أوجبه أولا؟ وعدّ القرتبي هذا تهجّما على مقام الاجتهاد، ثم سرد أدلة المسألة بتوسّع، فأفاد، وأجاد. وغاية ما في الأمر موافقة رغبة الرشيد لحكم الشرع المسقط للقصاص، فلو كان أبو يوسف بت في القصاص لما حبسه، بل كان نفذ فيه الحكم في الحال. قال ابن عبد البر: أبو يوسف قاضي القضاة قضى لثلاثة من الخلفاء، ولي القضاء في بعض أيام المهدي، ثم الهادي، ثم الرشيد، وكان الرشيد يكرمه، ويجلّه، وكان عنده حظيئا مكينا.