وعن الحسن بن زياد كنا يوما بباب أبي يوسف، ونحن ننتظره إذا أقبل من دار الرشيد، وهو يبتسم، فقال: حدثت مسألة في دار أمير المؤمنين اليوم، رفع إلى أمير المؤمنين أن قاضيا بـ "أرمينية" اختصم إليه جاريتان في جرّتين، وقد استقينا ماء من بعض المواضع، فوضعتا جرّتيهما لتستريحا، فسقطت جرّة كلّ واحدة على جرّة صاحبتها، فانكسرتا، فاختصمتا إلى القاضي، فقالت: كلّ واحدة منهما سقطت جرّة هذه على جرّتي، فانكسرت، فجعل القاضي ينظر إليهما، لا يعرف المدّعية منهما من المدّعى عليها، فقال: للقيّم أخّرهما عني، فأخّرهما، ثم صاحتا، فأدناهما، فلمّا اقتصتا قصّتهما عليه نظر إليهما، ثم قال للقيّم: أخّرهما عني، فصاحتا، فقال للقيّم: اذهب، فاشتر لهما جرّتين، وأرحني منهما، فلمّا كان العشي، قال لرجل كان يأنس به ويختلف إليه ماذا يقول الناس، ويخوضون فيه من أمرنا؟ قال: يقولون: إن القاضي لم يحسن يحكم في جرّتين، حتى غرمهما، فقال سبحان الله أو لا يرضون مني أن أحكم فيما أحسن، وأغرم فيما لا أحسن، قال أبو يوسف، فقلت: يا أمير المؤمنين! هذا رجل عاقل، فزدْه في أرزاقه للغرامات، فزاده ألف درهم في كلّ شهر.
قال الحسن بن زياد: فقلنا لأبي يوسف: كيف الجواب في هذه المسألة؟ قال: إن كانت الجاريتان وضعتا الجرّتين في مستراح للمسلمين فكلّ واحدة منهما جاعلة جرّتها في حقّها غير جانية على صاحبتها، وإن كانتا وضعتا الجرّتين في غير مستراح المسلمين، فكلّ واحدة جانية على صاحبتها، وعلى كلّ واحدة قيمة جرّة صاحبتها، إن كانت إحداهما في مستراح، والأخرى في غير مستراح، فالتي في غير المستراح جانية على التي في المستراح.