تواصل هؤلاء العلماء أصحاب النفوس الطاهرة، وتلك الأنباء تكشف عن مبلغ التصافي بين علماء ذلك العهد، -رحمهم الله تعالى-.
يقال: إن أمير "مصر" أبا منصور تكين الخزرى الشهير بالجيار دخل على الطحاوي يوما، فلمّا رأه داخله الرعب، فأكرمه الأمير، وأحسن إليه، ثم قال له: يا سيّدي! أريد إن أزوّجك ابنتي، فقال له: لا أفعل ذلك، فقال له: ألك حاجة بمال؟ قال له: لا، قال: فهل أقطع لك أرضا؟ قال: لا، قال: فاسألْني ما شئتَ، قال: وتسمع؟ قال: نعم، قال: احفظْ دينَك لئلا ينفلت، واعملْ في فكاك نفسك قبل الموت، وإياك ومظالم العباد، ثم تركه، ومضى، فقال: إنه رجع عن ظلمه لأهل "مصر"، كما في "تحفة الأحباب". هكذا كانتْ معاملة الطحاوي مع حكّام "مصر"، يأبى المصاهرة، ويأبى إنعامهم بالمال أو الإقطاع، ويأبي قبول قضائهم لأيّ حاجة له، بل ينصحهم بما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وأين هذا ممن يزوّج بناته الثلاث للمماليك، تزلّفا إليها: ثم يطول لسانه في مثل الطحاوي.
[كلام بعض الناس في الطحاوي]
وقد سبق ذكرُ كلمات أهل العلم في الثناء على أبي جعفر الطحاوي بما هو جدير به، وشهادة أهل الشأن بثقته وديانته، وحفظه وأمانته، وفهمه وفطانته. ومن أمثال أبي سعيد بن يونس الحافظ، وأبي سعد السمعاني، وابن الجوزي، وسبطه، وابن عبد البر، والذهبي، وابن كثير، وغيرهم، فلا داعى إلى إعادة ذكرهم، ومع ذلك لم يسعْ بعض المتعصّبين أن لا ينالوا منه، ليخفضوا منزلته العالية. لكن ما زادوا في مقامه السامي إلا علوّا وارتفاعا، ولا في نفوسهم المريضة، إلا انخذالا واتضاعا، -سامحهم الله، وألهمه الصنع عن هؤلاء المرضى في عقولهم وديانتهم، وفي ثقتهم وأمانتهم-، فأقول: قال أبو بكر