البيهقى في أول "كتاب معرفة السنن": وحين شرعتُ في كتابي هذا جاءني شخص من أصحابي بكتاب لأبي جعفر الطحاوي، فكم من حديث ضعيف فيه صحّحه لأجل رأيه، وكم من حديث صحيح ضعّفه لأجل رأيه، هكذا قال البيهقي في "معرفة السنن"، وهي المعروفة بـ "السنن الوسطى".
وقد قال الحافظ عبد القادر القرشي في كتابه "الجواهر المضية" في "كتاب الجامع" منه (٤٣١): معلّقا على هذه الكلمة: وحاش لله أن الطحاوي -رحمه الله تعالى- يقع في هذا. فهذا الكتاب الذي أشار إليه هو الكتاب المعروف بـ "معاني الآثار" -وبعد أن توسّع الحافظ القرشى في بيان ما صنّفه في تخريج أحاديثه بإشارة شيخه- قال: والله لم أرَ في هذا الكتاب شيئا مما ذكره البيهقي عن الطحاوي، وقد اعتنى شيخنا … ووضع كتابا عظيما نفيسا على "كتاب السنن الكبير" له، وبيّن فيه أنواعا مما ارتكبها من ذلك النوع، الذي رمى به البيهقي الطحاوي، فيذكر حديثا لمذهبه، وفي سنده ضعيف، فيوثقه، ويذكر حديثا على مذهبنا، وفيه ذلك الرجل الذي وثقه، فيضعّفه. ويقع هذا في كثير من المواضع. وبين هذين العملين مقدار ورقتين أو ثلاثة. وهذا كتابه موجود بأيدي الناس، فمن شكّ في هذا فلينظرْ فيه. وكتاب شيخنا كتاب عظيم، لو رآه من قبله من الحفّاظ لسأله تقبيل لسانه، الذي تفوه بهذا، كما سأل أبو سليمان الداراني أبا داود صاحب "السنن" أن يخرج إليه لسانه حتى يقبّله. والقصّة مشهورة.
ثم قال القرشي: يقول الناس: إن الشافعي له فضل على كلّ أحد، والبيهقي فضله على الشافعي، فوالله ما قال هذا من شيم توجّه الشافعي وعظمته ولسانه في العلوم، ولقد أخرج الشافعى بابا من العلم ما اهتدى إليه الناس من قبله. وهو علم الناسخ والمنسوخ، وعليه مدار الإسلام. اهـ.