الأستاذ الغيور المفضال الشيخ إبراهيم المختار الزيلعي الجبرتي حفظه الله، وهي مطبوعة في مطبعة السيّد مصطفى البابي الحلبي، وهي من عيون الوصايا، تعلم القائم بالإرشاد بين الناس طرق معاشرتهم وسياستهم لينجح في إرشادهم وتعليمهم. وقد روى الصيمري عن عبد الله بن محمد الأسدي عن أبي بكر الدامغاني عن الطحاوي، عن ابن أبي ثور، عن سليمان بن عمران، عن أسد: قدم زفر "البصرة"، فدخل مسجدها، فانفضّت إليه حلق أصحاب التابعين.
[زفر في طبقة المجتهد المطلق في التحقيق، وإن حافظ على انتسابه إلى أبي حنيفة]
بعد أن علم أن زفر مع أبي يوسف كفرسي رهان في الاجتهاد، لا يبقى وجه للالتفات إلى قول من ظنّ أن زفر في عداد المجتهدين في المذهب، كما أوضحنا ذلك في غير موضع. وإنما وقع في ذلك الظنّ من رأى كثرة تنويه زفر بأقوال الإمام الأعظم، مع أن ذلك التنويه والموافقة لآرائه إنما كان بمعرفة لدليل الحكم، كما عرف هو، لا تقليدا له.
قال ابن أبي العوام: حدّثني محمد بن أحمد بن حمّاد، سمعت محمد بن شجاع، سمعت أبا عاصم الضحّاك بن مخلد يقول: سمعت زفر، يقول: ما خالفت أبا حنيفة في قول إلا وقد كان أبو حنيفة يقول به. وحدّث ابن أبي العوام أيضا عن الطحاوي، عن ابن أبي عمران، سمعت سوار بن عبد الله العنبري القاضي -يعني الحفيد- يقول: سمعت أبا عاصم يقول: قال زفر بن الهذيل: كلّ أقوالي هذه قد قالها أبو حنيفة قبلي، ثم وقف منها على أشياء، لم أقف أنا عليها، فخالفها لما وقف عليه منها، وثبت أنا عليها. قال أحمد بن أبي عمران، فأنكرت ذلك، فأتيت محمد بن شجاع، فحدثته بذلك، فقال لي: مكانك، ثم دخل منزله، وخرج وفي يده كتاب، فقرأ عليَّ منه هذه الحكاية، عن أبي عاصم، كما سمعتها من سوار العنبري.