وأما رحلته إلى "البصرة" بعد وفاة البتّي وأبي حنيفة واستقراره فيها، أنبأ الصيمري عن أبي الحسن العبّاس بن أحمد بن الفضل الهاشمي، عن أحمد بن محمد المسكي، عن علي بن محمد النخعي، عن أبي خازم القاضي عن بكر (العمي) عن هلال بن يحيى، قال: رحل يوسف بن خالد السمتي من "البصرة" إلى "الكوفة"، فتفقّه عند أبي حنيفة، فلما أراد الخروج إلى "البصرة" قال له أبو حنيفة: إذا حضرت، فإنك تجيئ إلى قوم قد تقدّمت لهم الرياسة، فلا تعجل بالقعود عند أسطوانة واتخاذ حلقة، ثم تقول: قال أبو حنيفة، وقال أبو حنيفة، فإنك إذا فعلت ذلك لم تلبث، حتى تقام. قال: فخرج يوسف، فأعجبته نفسه، وجلس عند أسطوانة، وقال: قال أبو حنيفة، قال: فأقاموه من المسجد، فلم يذكر أحد أبا حنيفة، حتى قدم زفر "البصرة"، فجعل يجلس عند الشيوخ الذين تقدمت لهم الرياسة، فيحتج لأقوالهم بما ليس عندهم، فيعجبون من ذلك، ثم يقول: ههنا قول آخر أحسن من هذا، فيذكره، ويحتج له، ولا يعلم أنه قول أبي حنيفة، فإذا حسن في قلوبهم قال: إنه قول أبي حنيفة، فيقولون: هو قول حسن، لا تبالي بمن قال به، فلم يزل بهم، حتى ردّهم إلى قول أبي حنيفة -رضي الله عنه-.
سوء السياسة في العالم يحرمه نشر العلم، واستفادة المجتمع منه، ولو أخذ يوسف السمتي بوصايا أبي حنيفة في معاشرة الناس، وسياستهم لما أوذي، ولا طعن في دينه، ولا رمي ببدع فظيعة ليس هذا موضع شرحها، (١) ووصية أبي حنيفة ليوسف السمتي مدوّنة في كتب المناقب، وقد قام بتحقيقها
(١) أصعبها ما عند ابن أبي حاتم لكن ليس عليها مسحة الثبوت، ومثله أني ينكر القيامة والميزان؟ راجع تهذيب التهذيب. وكان في حد ذاته عالما جليلا وكفى دليلا على جلالة قدره أخذ الإمام الشافعي عنه رغم تقولات المتقولين فيه، واخرج له ابن ماجه وله أحاديث كثيرة مخرجة في تاريخ أصبهان لأبي نعيم وغيره. (ز).