ولما شاع أمر هذه المكتبة الخطّية، وكان للسفارات والقنصليات الأجنبية في كلّ بلد إسلامي سعي تام لجمع المخطوطات الإسلامية منها بأيّ ثمن يطلب، وتوارد عليه طلب بيعها من أولئك الأجانب وسماسرة المستشرقين والمكتبات الأجنبية، نظرا لما عرف عنه من جودة الانتقاء، وخِبْرته بخطوط العلماء، وانتخاب النفائس النادرة، وبذلوا فيها الأثمان المغْرِية، ولكنّه كان يرفِض بيعها لمن يخرجها إلى بلاد أجنبية، رغم حاجته إلى ثمنها.
ثم خشي عليها من الطوارئ والحَيدَثان، لعدم قدرته على صيانتها وحمايتها بصورة مأمونة فنية، وهي عزيزة غالية على قلبه، كأحد أولاده، وأخيرا رأى بيعها لمكتبة الإسكندرية العامة في "مصر"، بواسطة السيّد أمين الخانجي الكتبي المعروف، بثمن أقلّ جدا مما دفعه له فيها عملاء الجهات الأجنبية.
وكان بعد ذلك كلّما ذكرها أو ذكر بعض النفائس التى كانت فيها، وتكحلت عينه بمطالعتها وجيل خطوطها، يتمثّل بقول الشاعر أبي الحسن الفالي -بالفاء ذات النقطة الواحدة- لما باع نسخته من كتاب "جمهرة اللغة" لابن دريد، كتب عليها أبياتا منها:
أُنِسْتُ بها عشرين عاما وبعتُها … وقد طال وجدي بعدها وحنيني!
وما كان ظنى أننى سأبيعها … ولو خلدتني في السجون ديوني!
وقد تُخرج الحاجات يا أمّ مالك … كرائم من ربّ بهن ضنين.
[حليته وأخلاقه وتاريخ وفاته]
كان رجلا طويلا، وسيما، أبيض اللون، مهيبا، لبّاسا، نظيفا، كنظافة الملوك، جميل الطلبة، منوَّر الشيبة، وقورا في مِشْيته ومجلسه وحديثه، لا تشبع