وتلك بعض ما قاله أعلام العلماء في الثناء على الطحاوي الجدير بكلّ ثناء.
[نشأة الطحاوي على مذهب خاله، ثم انتقاله منه]
أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني أفقه أصحاب الإمام الشافعي وأحدّهم ذكاء كان خال الطحاوي، فأخذ يتفقّه عليه في نشأته، فكلّما تقدّم في الفقه كان يجد نفسَه بين تدافع مدّ وجزر في التأصيل والتفريع، وبين إقدام وإحجام في النقض والإبرام، في قديم المسائل وحديثها، وكان لا يجد عند خاله ما يشفى غلّته في بحوثه، فأخذ يترصّد ما يعمله خاله في المسائل الخلافية، فإذا هو كثير المطالعة لكتب أبي حنيفة، فينفرد عن إمامه منحازا إلى رأي أبي حنفية في كثير من مسائل، سجّلها في "مختصره"، فأخذ يطلع على المنهج الفقهي عند أهل "العراق"، فاجتذبه، حتى أخذ يتفقّه على أحمد بن أبي عمران القادم من "العراق" بعد أن اطّلع على ردّ بكّار بن قتيبة على "كتاب المزني"، فأصبح في عداد المتخيّرين لهذا المنهج، نابذا منهجه القديم، فأثار ذلك بعض ضجة حيكت حولها حكايات، فأسوقها مع ما لها وما عليها بمبلغ علمي، فيختار القارئ ما يراه أقرب إلى الصحة من تلك الروايات.
وأشهر تلك الروايات ما ذكره أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "طبقات الفقهاء"، وإليك نصّه: انتهتْ إلى أبي جعفر -الطحاوي- رياسةُ أصحاب أبي حنيفة بـ "مصر"، أخذ العلم عن أبي جعفر أحمد بن أبي عمران، وأبي خازم، وغيرهما، وكان شافعيا، يقرأ على المزني، فقال له يوما: والله لا جاء منك شيء. فغضب من ذلك، وانتقل إلى ابن أبي عمران، فلمّا