وترتيبه، ولا يشكّ في هذا إلا جاهل أو معاند متعصب، وأما رجحانه على نحو "سنن أبي داود"، و "جامع الترمذي"، و "سنن ابن ماجه"، ونحوها، فظاهر لا يشكّ فيه عاقل، ولا يرتاب فيه إلا جاهل، وذلك لزيادة ما فيه من بيان وجوه الاستنباطات، وإظهار وجوه المعارضات، وتمييز النواسخ من المنسوخات، ونحو ذلك. فهذه هي الأصل، وعليها العمدة في معرفة الحديث، والكتب المذكورة غير مشحونة بها كما ينبغي. كما ترى ذلك، ونعاينه. فإن ادّعى المدّعي كونه مرجوحا بوجود بعض الضعفاء والأسقاط في رجاله، فيجاب بأن السنن المذكورة ملأي بمثل ذلك. بل وقد قيل: إنها لا تخلو في بعض أحاديث باطلة، وأحاديث موضوعة. وأما الأحاديث الضعيفة فكثيرة جدًّا.
وأما "سنن الدارقطني"، أو "الدارمي" أو "البيهقي"، ونحوها فلا تقارب خطوة، ولا تداني حقوة. ولا هي مما تجري معه في الميدان. ولا مما تعادل معه في كفتي الميزان. ولم يظهرْ رجحان هذا الكتاب عند كثير من الناس، لكونه كنزا مخفيا، ومعدنا مخبيا. لم يصادفْه مَنْ يستخرج ما فيه من العجائب. ولم يعثرْ عليه مَنْ يستنبط ما فيه من الغرائب. فلم يبرح الكمون والاختفاء. ولم يبرزْ على منصة الاجتلاء. حتى كاد أن تضيف شمسه إلى الأفول، وبدره إلى النحول. وذلك لقصور فهم المتأخّرين، وتركهم هذا الكتاب، واشتغالهم بما لا يفيد شيئا في هذا الباب. مع استيلاء المخالفين المتعصّبة على بقاع مناره. وتحامل الخصوم المعادية على اندراس معالمه وآثاره، ولكن الله يحقّ الحقّ، ويبطل الباطل، حيث خلق أناسا قاموا بحقوقه، وأحيوا مواته، وقضوا على محاسن معالمه ما فاته، فظهر له الترجح على أمثاله، والتفوّق على أشكاله. ا هـ.