خلوة، وكرّر عليه، حتى فهمه -كما نقله ابن السبكى- فمن البعيد أن لا يصبر المزني مع الطحاوي في التعليم، وهو ابن أخته، ويتسرّع في الحلف بتلك الصورة البعيدة عن الاتزان.
وأما دعوى أنهم هم أهل الحديث دون الآخرين، فشنشنة تعودنا أن نسمعها من أفواه أناس، فقدوا سلامة التفكير، فلو فكروا جيّدا في مبلغ توسّع أصحابهم في قياس الشبه والمناسبة وردّ المرسَل، مع التساهل في قبول الأحاديث عن كلّ من هبّ ودبّ، ودرسوا جيّدا "مسند أبي العباس" الأصمّ لأقلعوا عن ادّعاء أنهم هم الذين يأخذون بالسنّة، دون سائر الطوائف من فقهاء هذه الأمة، وليس بين طوائف أهل السنّة مَنْ لا يتّخذ الحديث ثاني أصول الاستنباط، لكن بعد تصفيته بمصفاة النقد القويم متنا وسندا، لا باسترسال في قبول مرويّات النقلة من غير بحث ولا تنقيب، عن كلّ ما ورد في البحث الموضوع على مشرحة التمحيص، والله وليّ الهداية.
[سعة دائرة رواية الطحاوي عن شيوخ عصره]
من اطّلع على تراجم شيوخ الطحاوي علم أن بينهم مصريين، ومغاربة، ويمنيين، وبصريين، وكوفيين، وحجازيين، وشاميين، وخراسانيين، ومن سائر الأقطار، فتلقّي منهم ما عندهم من الأخبار والآثار، وقد تنقّل في البلدان المصرية وغير المصرية لتحمّل ما عند شيوخ الرواية فيها، من الحديث وسائر العلوم، وكان شديد الملازمة لكلّ قادم إلى "مصر" من أهل العلم من شتى الأقطار، حتى جمع إلى علمه ما عندهم من العلوم، وسمع من أصحاب ابن عيينة وابن وهب، وهذه الطبقة، وخرج إلى "الشام"، فسمع بـ "بيت المقدس" و"غزّة" و"عسقلان"، وتفقّه بـ "دمشق" على القاضى أبي خازم عبد الحميد، كما تفقّه بـ "مصر" على ابن أبي عمران، وبكّار بن قتيبة،