ابن أبي عمران، وكان قاضي "الديار المصرية" بعد القاضي بكّار فتفقّه عنده، ولازمه إلى أن صار منه ما صار. اهـ.
ثم حكى ما قاله أبو إسحاق الشيرازى في "الطبقات" من قول يعزى إلى الطحاوي بعد تصنيفه "المختصر": لو كان المزني حيا لكفّر عن يمينه، وقال شرحا لقوله هذا: يعني الذي حلفه أنه لا يجيء منه شيئ. فحوّل الماضى إلى المستقبل، كما ترى، ثم قال: وتعقّب هذا بعض الأئمة، بأنه لا يلزم المزني في ذلك كفّارة، لأنه على غلبة ظنّه. ثم قال: ويمكن أن يجاب عن أبي جعفر، بأنه أورد ذلك على سبيل المبالغة. ولا شكّ أنه تستحبّ الكفّارة في مثل ذلك، ولو لم يقلْ بالوجوب، وليس يخفى مثل ذلك على أبي جعفر. لكن قرأتُ بخطّ المنذري أن الطحاوي إنما قال ذلك كيما يعير المزني. فأجابه بعضُ الفقهاء بأن المزني لا يلزمْه الحنث أصلا، لأن من ترك مذهب أصحاب الحديث، وأخذ بالرأي، لم يفلح. اهـ.
وهذا تصرّف طريف من ابن حجر، وفيه كثير من العبر، ومن المعلوم أن الغباء الفطري قلّما يتحوّل إلى ذكاء بممارسة العلم، وكتبُ الطحاوي شهودُ صدق على ذكائه الفطري، ومثله لا يكون ممن لا يفهم المسألة مهما بولغ في تقريبها، كما أن المزني لا يستعصى عليه بيان مسألة بحيث لا يفهمها مثل الطحاوي في اتقاد ذهنه. على أن المزني ممن ورث رحابة الصدر والصبر أمام تلاميذه، من إمامه العظيم البالغ الذكاء، الصابر على تعليم من في فهمه بطء من أصحابه.
وقد حكى أبو بكر القفّال المروزي في "فتاواه": أن الربيع المرادي -راوية المذهب الجديد- كان بطئ الفهم، فكرّر عليه الشافعي مسألة واحدة أربعين مرّة، فلم يفهمْ، وقام من المجلس حياء، فدعاه الشافعي في