[رد الإمام ابن عبد البر على الطاعنين في الإمام، وفيه عبرة للألباني لو اعتبر]
وأما الإمام شيخ الإسلام حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد البر النَّمَري القرطي رحمه الله فقد صدع بالحق، كشف القناع عن وجوه الطاعنين في الإمام في كتابيه "الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء"، و"جامع بيان العلم وفضله وما ينبغى في روايته وحمله" حيث قال في ترجمة الإمام أبي يوسف من "الانتقاء" ما لفظه: "كان يحيى بن مَعين يُثني عليه، ويوثّقه، وأما سائر أهل الحديث فهم كالأعداء لأبي حنيفة وأصحابه".
فنسئلك أيها الألباني هل يُقْبل قول الأعداء من غير إقامة برهان على دعواهم في حق إمام، قد خضعت الأمة لجلالته وعلمه وورعه، وتبعه شطر أهل البسيطة على توالي القرون إلى يومنا هذا؟ أفما لك عقل يمنعك عن الخوض في مثل تلك الورطات؟
وقال الإمام ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(١):
"أفرط أصحاب الحديث في ذم أبي حنيفة، وتجاوزوا الحدّ في ذلك، والسبب الموجب لذلك عندهم إدخاله الرأي والقياس على الآثار واعتبارهما، وأكثر أهل العلم يقولون: إذا صحَّ الأثرُ بطل القياس والنظر.
وكان ردّه لما ردَّ من أخبار الآحاد بتأويل محتمل، كثير منه قد تقدمه إليه غيره، وتابعه عليه مثله ممن قال بالرأي، وجُل ما يوجد له من ذلك ما كان منه اتباعا لأهل بلده، كإبراهيم النخَعي، وأصحاب ابن مسعود، إلا أنه أغرق وأفرط في تنزيل النوازل هو وأصحابه، والجواب فيها برأيهم واستحسانهم، فأتى منه من ذلك خلاف كبير للسلف، وشُنع هي عند مخالفيهم بدع.