وما أعلم أحدا من أهل العلم إلا وله تأويل في آية، أو مذهب في سنة، رد من أجل ذلك المذهب سنة أخرى بتأويل سائغ أو إدعاء نسخ، إلا أن لأبي حنيفة من ذلك كثيرا، وهو يوجد لغيره قليل.
وقد ذكر يحيى بن سلام، قال: سمعتُ عبد الله بن غانم في مجلس إبراهيم بن الأغلب يحدّث عن الليث بن سعد أنه قال: أحصيتُ على مالك بن أنس سبعين مسئلة كلها مخالفة لسنّة النبي صلى الله عليه وسلم، مما قال مالك فيها برأيه، قال: ولقد كتبتُ إليه في ذلك".
قال أبو عمر (ابن عبد البر): "ليس أحد من علماء الأمة" يُثبتُ حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يَرُدُّه دون إدعاء نسخ عليه بأثر مثله، أو بإجماع، أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه، أو طعن في سنده، ولو فعل ذلك أحد سقطت عدالتُه، فضلا عن أن يتخذ إماما، ولزمه إثمُ الفسق.
ونقموا أيضا على أبي حنيفه الإرجاءَ، ومن أهل العلم من ينسب إلى الإرجاء كثير.
ولم يُعْنَ أحد بنقل قبح ما قيل فيه، كما عُنُوا بذلك في أبى حنيفة، لإمامته، وكان أيضا مع هذا يُحسدُ، وينسب إليه ما ليس فيه، ويُختلَق عليه ما لا يليق.
وقد أثنى عليه جماعة من العلماء، وفضَّلوه، ولعلَّنا إن وجدنا نَشْطةً أن نجمع من فضائله، وفضائل مالك أيضا، والشافعي، والثوري، والأوزاعي كتابا أمَّلنا جمعه قديما في أخبار أئمة الآثار، إن شاء الله تعالى (١).
(١) ثم جمع في ذلك كتابه "الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء، مالك، والشافعي، وأبي حنيفة".