فما مضى يومان على متن السفينة، حتى ألم بحضرة الشيخ نوبة عادية من الصفراء، ونزل به الحمى في مكان بعيد عن الراحة والدواء، وحيث لا ينفع حيلة أريب، وأخذت وطأة المرض تشتدّ عليه حتى بلغ به حالة دب اليأس إلى قلوبنا، وعمّ الوباء في السفينة، وانتشر انتشارا مروعا، يلتقم لكل يوم نفسا أو نفسين، ثم دخلت السفينة "عدن"، ففرض عليها كرنتينا أي ملازمة المحجر الصحى وحجر عليها صحيا لأجل الوباء، الذي أحدق بأهلها، مما منع من في السفينة من النزول إلى البلد ومن بالبلد من الصعود إلى متن السفينة، ثم رست السفينة في مكلا قليلا، تمكن الركاب من شراء الليمون من الباعة الصاعدين إلى السفينة، كما اشترينا البطيخ والورد وشيئا من الأدوية في السفينة، ووصف له الطبيب الكينين، وأمر له بمرق الديك، وأنّى لنا الديك في مكان مثله، فأحضره هو الطبيب، وكان من ديدن حضرة الشيخ أن ترغب نفسه عن تناول الغذاء خلال نوبات المرض، أيّ رغبة، فبلغ "بومبائي" منهوك القوى، لا يستطيع الجلوس إلا بشق النفس، ولبثنا بها يومين أو ثلاثة، ثم غادرناها إلى الوطن، فاستقبلنا سموم ولوافح هبت في سهول مدينة "جبل فور"، رغم أن الفصل شتاء، فسائت حاله، وكنا نحمل معنا -الحمد لله على ذلك- الليمون والبرتقال، فأطعمناه، وسقيناه ماء.
[بلوغه الوطن ونقوهه]
وبلغ الوطن، فزال المرض، ونقه، وتوقف السعال، وربما يعاوده نوبات نفسية، فيصعب عليه الاستطراد في الحديث، ثم خف عنه ذلك قليلا.
[اشتهار أمر ديانند]
وفي شهر شعبان من نفس العام أتاه من روكي آت يخبره بوجود ديانند في المدينة، وما ينفثه من سموم وطعون في الإسلام، وحمل أهلها حضرة