كلام أمثال العقيلي ممن ضاعت موازين عقولهم في نقد الرجال، اكتفاء بما ذكرت في "بلوغ الأماني"، و"التأنيب"، و"تقدمة نصب الراية"، وفيما علّقته على "جزء الذهبي" في مناقب أبي يوسف رحمه الله، ورضي عنه وأرضاه، وفي ذلك ما يغني عن الإعادة، والله الهادي للصواب.
[اجتماع أبي يوسف بمالك بن أنس رضي الله عنهما]
اجتمع أبو يوسف بمالك -عالم دار الهجرة- عام حجّه مع الرشيد، وقد ذكر ذلك وكيع القاضي في "أخبار القضاة" وابن أبي العوام في كتابه السابق ذكره، وابن عساكر في "كشف المغطي"، ومن المعروف: أن أبا يوسف لما حجّ مع الرشيد سأله أبو يوسف أن يجمعه مع مالك للمناظرة في مسألة الحكم بشهادة شاهد واحد ويمين المدعي، كما هو مذهب أهل "المدينة"، فأبى مالك وأناب عنه المغيرة المخزومي أو عثمان بن كنانة من أصحابه، فتلا أبو يوسف آيات الشهادة، وقال: لا تسمع أن الله ذكر إلا شاهدين وأربعة شهداء، ولم يصحّ عن النبي أنه قضى به، وإنما يدور هذا الحديث على سهيل عن أبي صالح، ثم نسيه سهيل، فكان يحدّث ويقول: حدثني ربيعة عني، فلمّا نسيه سهيل بطل الخبر، فقال المغيرة: فلمّا قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضى به علي، وفلان، فقال أبو يوسف: أنا أكلّمك بالقرآن، وأنت تكلّمني بأفعال الناس، أتراك تعرفني بهذا بما قضى به علي وغيره (١)؟ فقال المغيرة: أفأنت كافر بنبيّ، قضى
(١) ولسعة علم أبي يوسف في قضايا علي رضى الله عنه، وقضايا شريح خاصة، كما سبق استنكر قيام مناظرة بتعليم قضايا علي كرم الله وجهه (ز).