باليمين مع الشاهد، أمؤمن به؟ فسكت أبو يوسف، كما أشرت إلى ذلك فيما علّقت على "الانتقاء" لابن عبد البر، وما كان لأبي يوسف غير السكوت تجاه مثل ذلك المناظر، وقد أفاض محمد بن الحسن في التدليل على قول أصحابنا في "موطئه"، وقد أشرت إلى أدلة أصحابنا في ذلك في "النكت الطريفة" إشارة وافية، مع ذكر جماعة من كبار المالكية خالفو مالكا في المسألة، في كتاب ابن أبي العوام عن الطحاوي ثنا ابن أبي عمران، ثنا على بن صالح، وبشر بن الوليد جميعا، عن أبي يوسف، قال: قدمت "المدينة"، فأخرج إلى من أثق به صاعا، فقال لي: هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم، فقدّرته خمسة أرطال وثلثا.
قال لنا ابن أبي عمران: الذي أخرج لأبي يوسف هذا الصاع هو مالك بن أنس، وقد بسطنا القول في ذلك في "إحقاق الحق" وأما الوقف فقد حكى الطحاوي عن عيسى بن أبان، أن أبا يوسف لما قدم "بغداد" من "الكوفة" كان على قول أبي حنيفة في بيع الأوقاف، حتى حدّثه إسماعيل ابن علية عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر في صدقة عمر بسهامه من "خيبر"، فقال: هذا مما لا يسع خلافه، ولو تناهى هذا إلى أبي حنيفة، لقال له ولما خالفه.
وروى الطحاوي عن بكّار بن قتيبة، قدم أبو يوسف "البصرة" حاجا مع هارون الرشيد، وهو على مذهب أبي حنيفة في إطلاق بيع الأوقاف، فجعل لا يرى أرضا نفيسة من "البصرة"، فيسأل عنها إلا أخبر أنها وقف رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل قلبه من ذلك شيء، ثم صار إلى "المدينة"، فرأى ما هناك من صدقات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم "بغداد"، وقد زال عن قلبه كلّ ما كان فيه من بيع الأوقاف، وكان أبو يوسف اطلع على "الموطأ" بمناولة أسد بن الفرات لنسخته