أن يسير إلى المأمون أيام كان بـ "الرقّة" كلّ أسبوع يومًا، فيذاكره الفقه، ويسأله عن الحديث، واختلاف الناس فيه، قال: فبينا اللؤلؤي في بعض الليالي عنده بـ "الرقّة" يحدثه إذ نعس المأمون، فقال له اللؤلؤي: سمعتُ أيها الأمير، ففتح عينيه، فقال: سوقي والله يا غلام! خذه بيده، فأخرجه، فأخرج، فلم يدخل عليه بعد ذلك، فبلغ ذلك الرشيد، فقال متمثّلا:
وهل ينبت الخطمي إلا وشيجه … ويغرس إلا في منابتها النخل
وهذا مما يدلّ على أنه كان قويّ النفس، لا يعامل الكبار معاملة خاصّة، وهذا مما لا يستسيغه الأمراء والكبراء، ولو كان يرعي السياسة المرعية لانتفع بعلمه الكبار والصغار، ولعلّه لم يكن يرتاح إلى الاتصال بهم، لانصرافه إلى العلم، فأبدى شذوذا عن الرسوم المرعية، ليستغنوا عنه، فحصل له ما كان يريده، والله أعلم.
وهذه الأنباء تدلّ على نفيسة الحسن بن زياد، وعلى أنه كان من خيرة العُلماء في عصره في الفقه والحديث ومعرفة الاختلاف، حيث كان وقع الاختيار عليه لمجالسته مثل الرشيد، وتعليم مثل المأمون، وإن أخفق فيهما لحالته الحية.
[كثرة حديث الحسن بن زياد]
تلقّى الحسن بن زياد الحديث عن كثير من شيوخ العلم، وما كتبه عن ابن جريج فقط من الأحاديث، التي يحتاج إليها الفقهاء نحو اثني عشر ألف حديث، كما حكى ذلك الصيمري، والخطيب، وغيرهما، ومن استكثر عليه هذا العدد مع استساغته أن يروي من هو دون طبقته خمسين ألف حديث عن ظهر قلب أو مائة ألف حديث أو ألف ألف حديث إنما يستكثر كتابته لذلك العدد عنه لحاجة في النفس، وللحسن بن زياد مسند معروف في مروياته عن أبي حنيفة، وهو أحد المسانيد السبعة عشر لأبي حنيفة