خالد، ويزيد بن أبي زياد، ويونس بن أبي إسحاق، وغيرهم من حملة العلم من رجال "الحجاز" و"العراق" وسائر البلدان، وبينهم من يذكر بضعف عنه بعض النقّاد من الرواة، إلا أن للفقهاء نظرا خاصا في الرجال باعتبار موارد أخبارهم، ومنشأ كلام المتكلمين فيهم، فلا يسايرون المتعنتين من أهل الجرح، ومقلّديهم على إسرافهم في التجريح بمجرّد نظرهم في الرأي والكلام، ولا سيّما الذين عاشروهم، ودرسوا أحوالهم عن كتب، فهم أدرى بأحوال شيوخهم، الذين خالطوهم من ضبط وإتقان، أو غلبة وهم ونسيان أو عدالة أو قلة دين، بل يزنون ذلك كله بميزان العدل غر مسترسلين في التجريح، كفعل كثير من النقلة من ضيق أفق هؤلاء في إدراك المسائل، التي كان النقّاش يجري فيما بين أهل الدراية وأصحاب الرواية والجامعين بينهما، وكم من راو قبله الإمام الشافعي رضى الله عنه أيضا لذلك مع تشدّد بعض الرواة فيه.
إقباله العظيم على العلم وتعليمه وصبره مع المتفقّهين عليه وجملة من الذين أخذوا الحديث والفقه عنه:
قال الحسن بن زياد: كنت أختلف إلى زفر وإلى أبي يوسف في الفقه، وكان أبو يوسف أوسع صدرا للتعليم من زفر، فكنت أبدأ بزفر، فأسأله عن المسألة التي تشكل عليَّ، فيفسّرها لي، فلا أفهمها، فإذا أعييته، قال: ويحك، ما لك صناعة، ما لك ضيعة، ما أحبسك تفلح أبدا. قال: فأخرج من عنده، وقد فترت، واغتممت، فآتي أبا يوسف، فيفسّرها لي، فإذا لم أفهمها، قال لي: ارفق، ثم يقول لي: أنت الساعة مثلك حين بدأت؟ فأقول له: لا، قد وقفت منها على أشياء، وإن كنت لم أستتم ما أريد، فيقول لي: فليس من شيء ينقص إلا يوشك أن يبلغ غايته، اصبر، فإني أرجو أن تبلغ ما تريد، قال