وأما أدب المؤرخ، فقد ذكر ابن السُبكي في "طبقاته الكبرى" له قاعدة حسنة، فقال: قاعدة في المؤرخين نافعة جدًّا، فإن أهل التاريخ ربما وضعوا من أناس، أو رفعوا أناسًا، إما لتعصّب، أو لجهل، أو لمجرّد اعتماد على نقل من لا يوثق به، أو غير ذلك من الأسباب، والجهل في المؤرخين أكثر منه في أهل الجرح والتعديل، وكذلك التعصّب، قلّ أن رأيت تاريخًا خاليًا من ذلك.
وأما تاريخ "شيخنا الذهبي" غفر الله له، فإنه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصّب المفرط، لا واخذه الله، فلقد أكثر الوقيعة في أهل الدين، أعني الفقراء، الذين هم صفوة الخلق، واستطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعيين والحنفيين، ومال، فأفرط على الأشاعرة، ومدح، فزاد في المجسّمة، هذا وهو الحافظ المِدْرَه، والإمام المبجّل، فما ظنّك بعوام المؤرّخين.
[ما يشترط في المؤرخ]
فالرأي عندنا أن لا يقبل مدح ولا ذم من المؤرخين، إلا بما اشترطه إمام الأئمة، وحبر الأمة، وهو الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى، حيث قال، ونقلته من خطّه في مجاميعه: يُشترط في المؤرخ الصدق، وإذا نقل يعتمد اللفظ دون المعنى، وأن لا يكون ذلك الذي نقله أخذه في المذاكرة، وكتبه بعد ذلك، وأن يسمي المنقول عنه؛ فهذه شروط أربعة فيما ينقله. ويُشترط فيه أيضًا لما يُترجمه من عند نفسه، ولما عساه يطول في التراجم من المنقول ويقصر، أن يكون عارفًا بحال صاحب الترجمة، علمًا، ودينًا، وغيرهما من الصفات، وهذا عزيز جدًّا، وأن يكون حسن العبارة، عارفًا بمدلولات الألفاظ، وأن يكون حصن التصوّر، حتى يتصوّر حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص، ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عليه، ولا تنقص عنه، وأن لا يغلبه الهوى،