بعضهم أنه يطلب العلم ليعالج به المشاغل الدنيوية، حتى وصلت النوبة إليه، فقال: لا أدري أصلا إذا كان اكتساب العلم يؤدّي إلى المعرفة الإلهية أو أسباب الملاهي، إنما رغبتي في هذه المرحلة أنه قد مضى هذا العدد الكبير من العلماء والعقلاء، فما الذي رأوه، وما نظموه من الدرر في سبيل الكشف عن الحقائق، ولا أدري ماذا يؤول إليه أمري بعد ذلك هوى النفس، وملذاتها، أو محبة المولى، أو اكتساب الدنيا.
[الشيخ المحدث عبد الحق طالب علم]
كتب الشيخ المحدّث عبد الحق الدهلوي في كبر سنّه إلى الأمير مرتضى خان الشيخ فريد خان يفيده معنى الطلب الصادق: فلا يأخذ نفسا، ولا يخطو خطوة، إلا وبين يديه تحصيل طلبته، والظفر بحبيبه. وكانت هذه هي حاله أيام الطلب، وكان منهوما به ليل نهار، وغلبته روج الطلب، حتى صارت له الحياة، ومتعها لا تعني، إلا إياه، يقول منذ أيام الطلب: لم أعرف ما هو اللعب؟ وما هو النوم؟ وما هى الصحبة؟ وما هى الاستراحة؟ وأين الدعة والتفرج؟ ولم آكل طعاما قط في وقته من أجل شوقي في الطلب، ولم أنم في مكان النوم.
فالجهد الذي بذله في سبيل الطلب والتضحية، التي قدمها من أجله يصعب نظيره في ذلك العهد، فإن كان أبو الفضل قد يبس دماغه من كثرة المطالعات في الليل، فإن الشيخ المحدّث أحرق مرارا عمامته وشعره بالمصباح، ولم يشعر باشتعال النار في ثيابه وجسده.
ذكر الشيخ المحدّث برنامجه من الصباح إلى آخر اليوم، والحق أن الشيخ لم يأل جهدا في الرياضة، التي تطلبها رياسة دنيا العلم، كان يشعر منذ صغره أن جنّتك مختفية في دماء كبدك، فضحى براحة جسده في سبيل العلم، يخرج إلى المدرسة قبل طلوع الشمس، وكانت المدرسة على