تلك الحال، قال لي: قد تجلّى لي من مشاهدتك نور، لا يمكن التعبير عنه، ما أعجب هذه الحال.
وانتهى من دراسة "شرح الشمسية"، و"شرح العقائد"، وهو ابن اثني عشر أو ثلاثة عشر عاما، ومن دراسة "المختصر"، و"المطول"، وهو ابن خمسة عشر أو ستة عشر عاما، ولما بلغ الثامنة عشرة من عمره، لم يبق جانب من جوانب العلوم العقلية والنقلية، إلا نال حظّه منه، يقصّ بنفسه قصّة هذه الأيام:
وكان والدي يقول: تعلّم في كلّ فن مختصرا من مختصراته يكفك، وتفتح عليك إن شاء الله أبواب البركة والسعادة، وتنل حظّك من جميع العلوم من دون كلفة، فكان من فضل توجيهه أن حصلتْ لي في اكتساب العلم شرعة، يعبّر عنها بطيّ الزمان وطيّ المكان، وحصل لي كلّ علم، أي كنت أحفظ جزءا أو أكثر من المختصرات في النحو، مثل "الكافية"، و"اللب"، و"الإرشاد"، وكنت مضطربا لإتمام دراستي، إلى أن تيسّر لي جزء مشروح أو محشّى من هذه المختصرات، طالعته بنفسي، ولم أحتج إلى دراسته على شيخ أو استفهامه منه، فإن كان البحث سهلا ميسورا، أو كنت على معرفة منه من قبل لم تطب نفسي به، لا أدري ما الذي كنت أفهم في تلك الأيام، وما الذي كنت أطالع؟! ولكن كنت أنتفع انتفاعا تاما بمتن كل كتاب، وحاشيته، وكلماته، وإذا وقع في يدي كتاب أو جزء منه مقروءا أو غير مقروء ألزمت نفسي بمطالعته، ولم أتقيّد بمفتتح الكتاب أو خاتمته، بل كان هدفي هو اكتساب العلم مهما تيسّر ذلك.
ما الذي كان يهدف إليه من اكتساب العلم في ذلك الزمان؟.
ذكر في "أخبار الأخيار" قصّة من أيام طلبه تدلّ على مقاصده وميوله واتجاهاته، تحدّث زملاؤه يوما عن الغرض، الذي يهدفون إليه من اكتساب العلم، فذكر بعضهم أن الحامل له وراء الطلب، هو المعرفة الإلهية، وزعم