والكتابة في هذه المدّة القليلة من الوقت ليس إلا ثمرة من عبقرية الشيخ، وردَّ الشيخ المحدّث الفضل في نجاحه هذا إلى والده، يقول: كلّ ما حصل كان من عنايته واهتمامه.
لم يتقيّد الشيخ سيف الدين في تعليم ابنه بمقرّرات عهده الدراسية ومنهاجه التعليمي، بل علّمه ما استحسنه وفق حاله ومستواه، كان كثير من الكتب الشعرية جزءا من المقرّرات في ذلك العهد، ولكنه لم يعلم ولده غير "بستان"، وأجزاء من "ديوان حافظ"، وبعد الانتهاء من قراءة القرآن بدأ بـ "ميزان الصرف"، وعلّمه بنفسه إلى مرحلة "المصباح"، و"الكافية".
يقول الشيخ المحدّث: إن كتب النظم والشعر التي تعارف الناس على تعليمها في هذه البلاد لم يعلّمني منها إلا أجزاء من "بستان"، و"كلستان"، و"ديوان خواجه حافظ"، وبعد الانتهاء من قراءة القرآن الكريم، حفّظني "ميزان الصرف"، وعلّمني بنفسه إلى مستوى "المصباح"، و"الكافية". وكان يقول له دائما: ستصبح عالما إن شاء الله قريبا.
كان الشيخ سيف الدين قلقا جدا لتعليم ابنه تحت إشرافه ورعايته، وكان يودّ أن ينقل إلى ابنه العلوم، التي اكتسبها بعد نضال طويل في حياته، ولكنه كان قد طعن في السن، فكان يعدّ الكتب أحيانا، كان يقول: أعلم هذه كذلك، ثم يقول: لقد أبلغ من السرور مبلغه إذا تصورت أن الله سيمكنك من النبوغ، الذي تخيلته لك.
كان الشيخ المحدّث ذكيا جدا، مع طلب صادق للعلم، إذا اتّجه إلى علم تيسّرت له سبيله، وكان أبوه الشيخ يسرّ بذكاء ابنه، ونضاله المتواصل، وتصوّر مستقبله العلمي الرائع.
يقصّ الشيخ المحدّث ما حدث له يوما: أتذكّر أني كنت عنده أقرّر أشياء علمية، وكان ناظرا إليّ بعينه، فأخذته حالة غريبة، وعلاه الصياح والبكاء، وفي هذه الحال مدّ يديه إلى هذا الفقير، ودعا بدعوات، وبعد زوال