٨ - الذوق في كل ما سبق: وله في كلّ ما ذكرت قصص، أعرضت عن ذكرها لضيق المقام.
٩ - توجّهه للتحقيق أكثر منه للتأليف: لتواضعه وهضمه لنفسه، ولأنه يرى أن إتمام بناء الآباء خير مائه مرة من إنشاء البناء من الأبناء، فضلا عن أنه جزء من الحق الذي لهم علينا والوفاء، فهم الأصل الأصيل، والنور الدليل، والفهم المستقيم، والعلم القويم، وما تركوا في آثارهم من بقايا فجوات طفيفة، لا يقتضي منا تخطّيهم والإعراض عن آثارهم النفسية، كما صرّح به في مقدمة أول كتاب أخرجه، وهو كتاب "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل" للإمام اللكنوي، فهذا منهجه من أول أمره.
مع العلم أن تحقيق النصوص كثيرا ما يكون أشقّ من التأليف المستأنف الجديد، كما ذكر في نفس المقدّمة المذكورة، ويتّضح ذلك في أن له واحدا وخمسين كتابا محقّقا مقابل ثلاثة عشر كتابا مؤلّفا، فلم يكن يرى التأليف استقلالا، إلا لأمر مستجد، لم يجد فيه للسابقين تصنيفا، وإلا فإنه يتّجه إليه، ويخرجه بدلا من إخراجه كتابا من تلقاء نفسه.
تفنّنه في العلوم:
بدأ الوالد رحمه الله طلب العلم بهمّه عالية متوثّبة، ونهمة شديدة، وذهن متقد، وذكاء ألمعي، فنهل من مختلف العلوم والفنون.
وكان له في بدء الطلب اهتمام بالنحو واللغة، حتى إن بعض أقرانه كان يسمّيه الأصمعيّ، وآخر كان يسمّيه قاموس ناطق، كما اهتمّ بالفقه والأصول والسيرة والحديث الشريف.
ثم لما انتقل إلى "مصر" درّس في "الأزهر" الأصول، والفقه، والحديث، وغير ذلك من الفنون بتوسّع، فغدا رحمه الله محدّثا، فقيها، أصوليا، نحويا، لغويا، أديبا، مورّخا، رحمه الله، وغفر له.