ينسلخ من عمره، إلا أحد عشر شهرا لا غير، ثم احتضنه، وتولى رعايته جدّه الحنون، وعمّاه الكريمان، وربّوه تربيه صالحة، وأغدقوا عليه من الشفقة والرأفة.
نشأ الشيخ، وشبّ في بيئة دينية، وبيت معروف بالزهد والتقى، ومعمور بالعلم والحكمة، فأخذ الشيخ يدرس في المدرسة العصرية الابتدائية تحت رعاية جدّه الحنون وعمّيه العطوفين، حتى أتمها بتفوق ونجاح باهر، وتزامن مع ذلك استظهار القرآن الكريم، وقراءة الكتب الدينية الابتدائية. وكان أوشك أن يحيط بعلوم العصر كلها، ويحويها بسرعة نادرة لما أوتي من حافظة قوية وذكاء حاد، واستطاع أن يستلفت أنظار الأقرباء والأخلاء والأساتذة إليه، ولكن سرعان ما حفظته القوة الخفية الربانية، وكلأته، وأخذت بيديه إلى الرشد والهدى والسداد، فلم يعتم أن نكص على عقبيه من العلوم العصرية المادية البحتة برمّتها، وضرب عنها صفحا، وصرف عنان همّه إلى العلوم الدينية والوراثة النبوية، وأقبل بشراشره عليها، وأبان ذلك لاحت على الناشئ النابغ مخايل النجابة وتعارفها الناس، حتى همّت شرذمة قليلة من أقاربه، ورغبت إلى جدّه في أن يدرسه العلوم المادية الصرفة، ولكنه لم يلتفت إليه، ولم يعبأ به رأسا.
وكان هو نذر أن يقف حفيدا له، -إن ولد-، لخدمة الدين الحنيف، فلم يبرح على عزمه وحزمه وافيا بنذره، عاضا بنواجذه على رأيه الحصيف، وراح ما حلم به أقرباءه أدراج الرياح، وألحقه جدّه بالجامعة الإسلامية كيغِرَام عام ١٣٣٢ هـ وقضى فيها فترة سحيقة من عمره، وظلّ يتدرّس فيها، حتى أكمل المرحلة العالية.
[رحلاته العلمية]
لم يزل دأب السلف والخف الاعتناء بشدّ الرحال إلى البلاد والتجوال في الأصقاع، ليعبوا من مناهل العلوم الدينية وينابيع الحكم والمعارف النبوية،