للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأفكار، ويطاوعه اللسان، والله أعلم بما وراء ذلك، وكان يتمتّع بالكشف، ثم لم يتفوّه بكلمة تنمّ عنه، والإنسان يفعل فيه مجالسة من يحظى بنسبة صالحة، -ولو ضئيلة- فعلها، أما حضرة الشيخ فرزقه الله قوّة على الضبط والإمساك، فلم يُبد من ذلك شيئا، فما كان أضبطه، وأملك لنفسه!

بدأ حضرة الشيخ ذات مرة تدريس "كتاب المثنوي" للعلامة الرومي، فلا يتجاوز أبياتا، اثنين أو أربعة، حيث يشبعها بحثا وشرحا، ويأتي بعجائب وغرائب من المعاني والحكم، وبلغ دروسه هذه بعض من كان يصطبغ بشيء من روح التزكية والإحسان، فاعتبره نابعا من تضلّعه من العلم، وعلوّ كعبه فيه، وأحبّ أن يفيده شيئا من العلوم الباطنة، فطلب منه أن يخلو به يوما، فردّ عليه حضرة الشيخ، قائلا: قد شغلني العمل في المطبعة، وتعليم الطلاب عمّا سواهما، فلا أستطيع تلبية دعوتك، ومن الممكن أن تدخل عليّ إذا شئت، فأتاه يوما، وقال له: انظر إليّ، وقد أغمض هو عينيه، مراقبا، بينما حضرة الشيخ يدرّس تلاميذه، فأوقف الدرس، وتوجّه إليه بعينين مفتوحتين حينا، ومغمضتين بعض الإغماض حينا، وأما ذلك القادم فيكاد يخرّ على وجهه حينا، ويستوي قاعدا حينا، وهكذا دواليك، ثم قام، ورجع مقنعا رأسه، مبالغا في الاعتذار إليه. ولا شكّ أن تواضع حضرة الشيخ مما أخفى على الناس فضله ومكانته، والذي ظهر لهم إنما كان -فيما أرى- بأمر من الله تعالى، ولم يكن يتوخّى حضرة الشيخ ذلك.

[عود على بدء]

لقد خرجت عمّا كنت بصدده، فأعود، وأقول: وعدت من "بنارس" إلى الوطن، ولم يسنح لي زيارة "نانوته"، وخلفت أهلي في "ديوبند". وشددت

<<  <  ج: ص:  >  >>