ولا تحضر مجالس الذكر أو من يتخذ مجلس عظة بجاهك وتزكيتك له، بل وجّه أهل محلتك وعامتك الذين تعتمد عليهم مع واحد من أصحابك، وفوّض أمر الخطبة في المناكح إلى خطيب ناحيتك، وكذا صلاة الجنائز والعيدين، ولا تنسى من صالح دعائك، واقبل هذه الموعظة مني، وإنما أوصيك لمصلحتك ومصلحة المسلمين.
وهذه من أبدع الوصايا وأجمع العظات، تعم شؤون الحياة كلّها، كما تشمل جميع ما به صلاح أمور الآخرة، وهي أحسن وصية جامعة من عالم لتلميذه، فلم أرض إخلاء الكتاب منها، اكتفاء بشهرتها بين أهل العلم.
[تعقب الشهاب المرجاني لكلام ابن الكمال في طبقات الفقهاء]
سبق أن ذكرنا نصّ رسالة ابن الكمال الوزير في طبقات الفقهاء في هامش (٢٥ - ٢٧)، ووعدنا في صلب هذا الكتاب هناك نقل نصّ تعقّب المرجاني في آخر الكتاب لما في ذلك من الفوائد، فها أنا ذا أفي بوعدي، وأعرض ذلك تعقّبا لأنظار الباحثين، وأقول: قال الشهاب المرجاني في كتابه:
اعلم أن المجتهد ضربان: أحدهما المجتهد المطلق، وهو صاحب الملكة الكاملة في الفقه والنياهة وقرط البصر، والتمكّن من الاستنباط المستقل به من أدلته، كأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وزفر، ومالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، والأوزاعي، وثانيهما: المجتهد في مذهب إمام، قالوا: هو الذي يتحقق لديه أصول إمامه وأدلّته، ويتخذ نصوصه أصولا، يستنبط منها الفروع، وينزل عليها الأحكام نحو ما يفعله بنصوص الشرع فيما لم يقدر على استنباطه من الأدلة، وهذه الطائفة وإن لم يبلغوا رتبة الاجتهاد المطلق،