وإذا دخلت الحمام، فلا تساوي الناس في أجرة الحمام والمجلس، بل أرجح على ما تعطي العامة لتظهر مروءتك بينهم، فيعظّمونك، ولا تسلم الأمتعة إلى الحائك وسائر الصنّاع، بل اتخذ لنفسك ثقة يفعل ذلك، ولا تماكس بالحبّات والدوانق، ولا تزن الدراهم، بل اعتمد على غيرك، وحقّر الدنيا المحقّرة عند أهل العلم، فإن ما عندك خير منها، وولّ أمورك غيرك ليمكنك الإقبال على العلم، فذلك أحفظ لجاهك.
وإياك أن تكلّم المجانين، ومن لا يعرف المناظرة والحجّة من أهل العلم، والذين يطلبون الجاه، ويتسوقون بذكر المسائل فيها بين الناس، فإنهم يقصدون تخجيلك، ولا يبالون منك، وإن عرفوك على الحق، وإذا دخلت على قوم كبار فلا تترفّع عليهم ما لم يرفعوك، لئلا يلحق بك منهم أذية، وإذا كنت في قوم فلا تتقدّم عليهم في الصلاة ما لم يقدّموك على وجه التعظيم، ولا تدخل الحمّام إلا وقت الظهيرة، أو بالغدوات، ولا تخرج إلى النظّارات، ولا تحضر مظالم السلاطين، إلا إذا عرفت أنك إذا قلت شيئا ينزلون على قولك في الحق، فإنهم إن فعلوا ما لا يحلّ وأنت عندهم، ربما لا تملك منعهم، ويظنّ الناس أن ذلك حق لسكوتك فيما بينهم وقت الإقدام عليه.
وإياك والغضب في مجلس العلم، ولا تقصَّ على العامة، فإن القاصَّ لا بدّ له أن يكذب، وإذا أردت اتخاذ مجلس العلم لأحد من أهل العلم، فإن كان مجلس فقه فاحضر بنفسك، واذكر فيه ما تعلمه، كيلا يغترّ الناس بحضورك، فيظنّون أنه على صفة من العلم، وليس هو على تلك الصفة، فإن كان يصلح للفتاوى فاذكر منه ذلك، وإلا فلا تقعد أنت ليدرس بين يديك، بل اترك عنده من أصحابك ليخبرك بكيفية كلامه وكمية علمه.