السلطان مرة كفاك، لأنك إذا واظبت عليه ودمت، لعلهم يقمعونك، فيكون في ذلك قمع للدين، وافعل ذلك مرة أو مرتين، ليعرف منك الجدّ في الدين، والحرص في الأمر بالمعروف، فإذا فعل ذلك مرة أخرى فادخل عليه وحدك في داره، وانصح في الدين، وناظره إن كان مبتدعا، وإن كان سلطانا فاذكر له أن يحضرك من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن قبل ذلك منك وإلا فاسأل الله تعالى أن يحفظك منه.
واذكر الموت، واستغفر لأساتذتك، ومن أخذت عنهم العلم، وداوم على تلاوة القرآن، وأكثر من زيارة القبور والمشايخ والمواضع المباركة، واقبل من العامة ما يعرضون عليك من رؤياهم في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رؤيا الصالحين في المساجد والمنازل المباركة والمقابر، ولا تجالس أحدا من أهل الأهواء إلا على سبيل الدعوة إلى الدين والصراط المستقيم.
ولا تكثر اللعن والشتم، وإذا أذّن المؤذن فتأهب لدخول المسجد، كيلا يتقدّم عليك العامة، ولا تتخذ دارك في جوار السلطان، وما رأيت على جارك فاستره عليه، فإنه أمانة عندك، ولا تظهر أسرار الناس، ومن استشارك في شيء فأشر عليه بما تعلم أنه يقربك إلى الله تعالى، وأقبل وصيتي هذه، فإنك تنتفع بها في أولاك وأخراك، إن شاء بالله تعالى.
وإياك والبخل، فإنه يفتضح به المرء، ولا تك طمّاعا ولا كذّابا، ولا صاحب تخاليط، بل احفظ مروءتك في الأمور كلّها، والبس من الثياب البيض في الأحوال كلّها، وكن غني القلب مظهرا من نفسك قلة الحرص والرغبة في الدنيا، وأظهر من نفسك الغنى، ولا تظهر الفقر، وإن كنت فقيرا، وكن ذا همة، فإن من ضعفت همته ضعفت منزلته، إذا مشيت في الطريق فلا تلتفت يمينا وشمالا، بل دوام النظر إلى الأرض.