وتقاصروا في الفقه عن شأو أولئك لكنّهم ليسوا بمقلّدين، بل هم أصحاب النظر، والاستدلال والبصارة في الأصول والخبرة التامة بالفقة، ولهم محلّ رفيع في العلم وفقاهة النفس ونباهة الفكر، وقدرة وافية في الجرح والتعديل، والتمييز بين الصحيح والضعيف، وقدم عالية في الحفظ للمذهب والنضال عنه والذبّ وتلخيص المسألة وبسط الأدلة وتقرير الحجّة وتزييف الشبهة، وكانوا يفتون، ويخرجون، ثم من بعدهم طوائف متفاوت في العلم بين ثقة وضعيف في الرواية، وكامل وقاصر في الفقه والدراية، وقد جعل أحمد بن سليمان الرومي، المعروف بابن الكمال (١) أحد الفضلاء المشاهير في الدولة العثمانية فقهاء الأصحاب على سبع طبقات.
الطبقة الأولي: المجتهدون في الشرع، كلأئمة الأربعة، ومن يحذو حذوهم في تأسيس قواعد الأصول واستنباط أحكام الفروع عن الأدلة الأربعة من غير تقليد لأحد، لا في الفروع ولا في الأصول.
الثانية: المجتهدون في المذهب، كأصحاب أبي حنيفة الثلاثة، ومن سلك مسلكهم في استخراج الأحكام على القواعد، التي قرّرها شيخهم وأستاذهم، فهم وإن خالفوه في بعض الأحكام، لكنّهم يقلّدونه في قواعد الأصول، به يمتازون عن المخالفين له في الأصول والفروع.
والثالثة: المجتهدون في المسائل، كالخصّاف، والطحاوي، والكرخي، وشمس الأئمة الحلواني، وشمس الأئمة السرخسي، وفخر الإسلام البزدوي، وفخر الدين قاضيخان، وأمثالهم، الذين لا يقدرون على المخالفة، لا في الأصول ولا في الفروع، إنما يستنبطون الأحكام فيما لا نصّ فيها عن المجتهد في الشرع، على حسب أصول قرّرها ومقتضى قواعد بسطها.