ولو شاء أنزل في ذلك جدالا وحجاجا، ولكنه أبى ذلك، ونهاهم، فقال:{فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}، النساء الَاية ١٤٠. وقال:{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} آل عمران الآية ٢٠.
ولم يقل: وحاجّهم، وعن إبراهيم بن الجنيد عن علي بن الجعد، سمعت أبا يوسف وسأله رجل، فقال: يا أبا يوسف يذكرون عنك أنك تجيز شهادة من يشتم أصحاب النبي على التأويل، فقال: ويحك، هذا أحبسه وأضربه، حتى يتوب، وتلك الروايات مما أسنده ابن أبي العوام في كتابه، وعن عثمان بن حكيم أنه رفع إلى الرشيد زنديق، فدعا أبا يوسف ليكلّمه، فقال له الرشيد: كلّمه، وناظره، قال أبو يوسف: يا أمير المؤمنين! ادع ادع بالسيف، والنطع، وأعرض عليه الإسلام، فإن أسلم، وإلا فاضرب عنقه، هذا لا يناظر، وقد ألحد في الإسلام، كما في "تاريخ الخطيب"، و"مناقب الموفّق".
وذكر الذهبي في "جزئه" عن علي بن الجعد عن أبي يوسف من قال: إيماني كإيمان جبريل فهو صاحب بدعة، وذكر وكيع القاضي عن محمد بن إشكاب عن أبيه، وعن الهيثم بن خارجة عن أبي يوسف بـ "خراسان" صنفان ما على الأرض شرّ منهما: المقاتلية والجهمية، يعني المجسّمة، والجبرية. وعلى صرامة أبي يوسف في السنة وقوة اعتصامه بها وشدّته في أهل البدع، كما رأيت تجد أناسا من النقلة لا يسعهم، إلا أن ينالوه ويرموه بالتجهّم أو الإرجاء، وهو من جميع البدع براء، والإرجاء الذي ينسب إليه هو محض السنّة، كما أوضحت ذلك في "التأنيب"، بل خلاف ما ذهب إليه يوقع في مذهب الخوارج أو المعتزلة عند من يعي ما يقال له، ولست أتحدّث هنا عن