صنّف "مختصره"، قال: رحم الله أبا إبراهيم، لو كان حيّا لكفّر عن يمينه. وهذا خبر خال عن السند (١)، و "لا جاء" بصيغة الماضي، والحلف على الماضي غموس أو لغو، لا يوجب الكفّارة في مذهب المزني، و "شيئ" بمعنى شيء يعتدّ به في باب العلم بقرينة المقام، والطحاوي أعلى مقاما في العلم من أن يجهل حكم الحلف على الماضي في المذهبين، فيكون مع الخبر ما يكذبه.
وأما رواية السلفي في "معجم شيوخه" عن أحمد بن عبد المنعم الآمدي، عن محمد بن علي الدامغاني، عن القدروي، أن المزني قال للطحاوي يوما: والله لا أفلحت، فغضب، وانتقل من عنده، وتفقّه على مذهب أبي حنيفة … ، وكان يقول: رحم الله أبا إبراهيم لو كان حيا، ورآني لكفّر عن يمينه، فعلى صيغة الماضي أيضا فلا يوحب الحلف على الماضي الكفّارة في المذهبين، على أن هذا الخبر مقطوع للمفازة بين القدوري والطحاوي.
وأما ما ذكره ابن عساكر في "تاريخه" من قوله: بلغني أن سبب تركه لمذهب الشافعي أنه تكلّم يوما بحضرة المزني في مسألة، فقال له المزني: والله لا تفلح أبدا. فغضب من قول المزني، وانقطع إلى أبي جعفر بن أبي عمران، وقال بقول أبي حنيفة، حتى صار رأسا فيه، فاجتاز بعد ذلك بقبر المزني، فقال: يرحمك الله يا أبا إبراهيم! لو كنت حيا لكفّرت عن يمينك، فحلف على المستقبل، لكنّه كلام لا سندَ له، لأنه من بلاغاته، كما ترى.
(١) وهو مأخوذ من كلام الصيمري، يرويه عن أبي بكر محمد بن موسى الخوارزمي، المتوفى سنة ٤٠٣ هـ وهو لم يدرك زمن الطحاوي، ولا عزا إلى من أدرك، فتكون هذه الحكاية من الحكايات المرسَلة على عواهنها. (الكوثري).