خطابات، لم يُتعِبْ فيها قطّ صاحبها نفسه، برفع الصوت، وبذل الحماس الزائد، وإعمال التفاتات كريهة إلى جانبي اليمين والشمال، والتعمّد لاستخراج ضحكات الحضور، ولم يعتمد على تحريك يديه، والإشارة بالأصابع، ولم يُزَمْجِرْ، ولم يُزْبِد، ولم يحرص على التصفيق من الحضور، وإنما ظلّ يجري في رفق وتأن، كحلم لذيذ، يسري في الخاطر، وينعشه.
أجل، لم يتعب نفسه بذلك كلّه، كما أنه أراح الجمهور من أيّ تعب، فلم يصبه به عبر مشواره الخطابي ورحلته الدعوية، فكانوا يستمعون له ساعات طويلة متسمرّين مشدودين كأنَّ على رؤوسهم الطير.
وكان رحمه الله مكثرا من ضرب الأمثلة، وتقريب الموضوع إلى الحضور، بالمحاكاة والتشبيهات، وبالأساليب البيانية والصياغات اللغوية المتنوّعة، التي كان بارعا فيها، في أوائل ثمانينات القرن الحالي الميلادي كنت أستمع له بعد ظهر أحد أيام شهر محرّم الحرام، في حفلة مزدحمة بالحضور في (محيط شوكت علي) بمدينة "لكنو"، وكان الموضوع هو التأكيد على فضائل الصحابة في تلك البيئة، التي يتناولهم فيها سكّان المدينة الشيعة بالسباب بل بالشتائم.
وتطرّق في حديثه إلى موضوعات فرعية عديدة، من بينها: الطريق قد تتعدّد، ولكن المنزل يجب أن يكون واحدا، وضرب لذلك مثلا من كتب السلف القديمة، وكان المثل في قصّة طريفة ذات دروس كبيرة، موجَزها:
أن نحويا كان غاية في السواد، يغبطه في ذلك ظلام الليل، وكانت زوجته غاية في البَياض والجمال، كأنها قطعة من القمر أو طلعة من البدر، إذا اجتمعا ظهرا للناظر كأنهما الشمس والظلّ، أو الليل والنهار، أو المتناقضان كالماء والنار، وذات يوم كانا جالسين يتحدّثان في شتى المواضيع، إذا قال الزوج للزوجة: نحن كلانا سندخل الجنّة إن شاء الله. قالت الزوجة: قبل الله دعوتك، ولكني لا أؤمن بكونك نبيا، يطلع الله على بعض مغيباته لدى