مرموقة، يسيل لها اللعاب، وتدرّ عليهم المئات من (الروبيات)، والخمسينات، فينعمون بعيش رغيد، ويتقلّبون في النعماء، فعيل صبره، وشكا ذلك إلى الحاج إمداد الله قائلا: إنه وحيد أولادي، لا يشاركه أخ أو أخت، وقد عقدت فيه آمالا بعيدة، ورجوت أن يكسب لنا العيش، ويدفع عنا الأذى، والضيق الذي نكابده، والله يعلم ما حلّ به، فارتسمت ابتسامة على شفاه الشيخ، وسكت، ثم أرسل إليه بعد يبشره بأنه سينال منزلة رفيعة، تسخر له ذوي المئات والخمسينات هؤلاء، يبعد صيته وصوته، ويشار إليه بالبنان، جئتني تشتكي العوز والعسر، وإن الله سيرزقه بدون وظيفة، رزقا يفضله على أصحابه، وقد وسّع الله على حضرة الشيخ، وأبوه أسد على حيّ يرزق، فقرّ عينا، وطاب نفسا، ولقي ربّه راضيا به وبولده، ورأى -بأمّ عينيه-، صدق التنبؤات، التي تنبّأ الشيخ إمداد الله، فالرجل أدرى بأصحابه، وإنما يعرف ذا الفضل ذووه.
سجّل الشيخ إمداد الله في كتابه "ضياء القلوب" كلمات تثني على الرجلين، وهى في غاية من الصواب والصحة، ولا شكّ أن الشيخ أعمل فيها تواضعه، إلا أنه قصد السموّ بمنزلتهما رفع ذكرهما.
قال الشيخ عند ما حضرت حاجّا لأول مرة: ليس بيني وبين الشيخ رشيد أحمد فرق كبير، وما الذى يحمل الناس على زيارتي؟ وقال: إن أمثال الشيخ محمد قاسم عرفناهم في غابر الزمان، أما الآن فقد مضت الدهور، وما أتت بمثله.
ورغم ما اتّصف به حضرة الشيخ من الفضل لم يتفوّه بكلمة تنمّ عن مدحه لنفسه، وتزكيتها أو كبرها وخيلائها، لا في خلواته، ولا في جلواته، ولا بين من خالطه، وأحبّه، أو جهله، وأنكره.