وقلّ أن يجنح بهم في دروسه إلى جانب الوعظ والتخويف، فإنه كان يرى الفقه في الدين مقدّما على ما سواه من الوعظ والتذكير، وأن حاجة الناس إلى معرفة الحلال والحرام أكثر من حاجتهم إلى الخبز، فتفقّه به من العامة أعداد كثيرة، من مدينة "حلب" وغيرها، كانوا يقصدون حضورَ دروسه.
أما الذين تفقّهوا به من الخاصة، فهم كثيرون جدا يبلغون المئات، وقد بقى أكثر من ثلاثين سنة، يدرس أفواج كبار الطلبة، ويتخّرجون به، ويتفقّهون عليه، وظهر منهم فقهاء أفذاذ، يعتبر بعضهم بن كبار فقهاء هذا العصر اللامعين.
ويحضرني منهم -وفي مقدّمتهم- نجله العلامة الأريب الأديب شيخنا فقيه العصر البارع الضليع الشيخ مصطفى الزرقا، ذو المؤلّفات البديعة، والآثار العلمية الرفيعية، وهو أشهر من أن يعرف به، ولو لم ينجب الشيخ غير هذا الفقيه لكفاه فخرا وذكرا.
وقد كان الشيخ مصطفى مصاحبا لأبيه الشيخ أحمد في دروسه كلّها، كما كان مصاحبا له في المنزل والمقام، ولما بلغ من طلب العلم والتفقّه مبلغا حسنا، يسأل، ويناقش في المسائل الفقهية العويصة بحذق ومعرفة: تعلّق به قلب والده الشيخ أحمد للمدارسة والمذاكرة معه، في كلّ أحيان، حتى إنه أمره أن ينام بقربه في الليل دائما، وطلب من والدته أن تنام في غرفة أخرى، ليتسنّى له محادثته ومناقشته فيما يعرض له من خواطر في المسائل الفقهية الدقيقة، وبهذا قد زقّه الفقهَ والعلمَ زقّا.
ومنهم: العلامة الدكتور معروف الدواليبي، والعلامة الشيخ محمد الحامد الحموي، والشيخ صبحي الصباغ رئيس محكمة التمييز العليا