ثم توجَّه العلماء إلى تدوين طبقات فقهاء المذاهب المختلفة في كتب مستقلة، فألَّف الإمام عمر بن علي، وتاج الدين علي بن أنجب الساعي، وآخرون في طبقات الفقهاء الشافعية، وصنَّف القاضي أبو الحسين وبرهان بن إبراهيم بن محمد اليماني في تراجم الفقهاء الحنابلة، والمالكية على الترتيب.
أما طبقات الحنفية فقد ألَّف فيها المتقدمون كتبا كثيرة، إلا أن معظمها ضاعتْ، ولم يبق الآن إلا أسماء مصنّفيها، راجع لأسماءهم "كشف الظنون"، نعم! قد بقيت بعضها محفوظة سالمة، مثل "أخبار أبي حنيقة وأصحابه" للشيخ حسين بن علي الصيمري، وقد طبع، ونشر هذا، ومن مؤلفات المتأخرين كتاب "الجواهر المضية في طبقات الحنفية" للحافظ عبد القادر القرَشي المتوفى ٧٧٥ هـ، معروف متداول بين العلماء، ويوجد في المكتبات الإسلامية، ومن الكتب الجديرة بالذكر "تاج التراجم" للحافظ قاسم بن قطلوبغا المتوفى ٨٧٩ هـ، وهو مقتبس من "الجواهر المضية".
ومن الكتب النافعة في هذا الموضوع "الأثمار الجنية في أسماء الحنفية" للملا علي القاري المتوفى ١٠١٤ هـ وهو مأخوذ أيضا من "الجواهر المضية"، وهكذا كتاب "الفوائد البهية في تراجم الحنفية" لمولانا أبي الحسنات عبد الحي الفرنكي المحلى المتوفى ١٣٠٤ هـ، فهذه الكتب النافعة المحققة في موضوعها توجد في المكتبات الإسلامية، والحمد لله على ذلك. هذا، وكتاب "حدائق الحنفية" أيضا من الكتب الشاملة إلى حد كثير.
وعلى الرغم من ذلك، فلا نستطيع أن نقول: لسنا في حاجة إلى كتاب جديد في هذا الموضوع، فإن كل كتاب جديد يشتمل عموما على فوائد ومعلومات مفيدة ونافعة، ثم إن موضوع التراجم من أوسع الموضوعات نطاقا وانتشارا، فلا يمكن أن يأتي أحد في كتابه بما لا مزيد عليه، فإن الإمام الذهبي على عظمته وعلوّ كعبه في هذا الفن، ومكانته التي يعرفها كلُّ من يطالع تأريخَ الرجال لم يسلم تأليفُه من استدراكات العلماء عليه.
ثم إن الفقه الحنفي من بين المذاهب الفقهية قد ظفر - بفضل الله تعالى ومنه - من الانتشار والذيوع بما لم يظفر به غيره، فلا بد أن يكون عدد