لـ "دمشق" أول مرة- في دار الكتب الظاهرة (وعاشرته، فرأيت من خلقه أنه لا يساوم بائعًا، ولكن إذا تحقّق من غشّه تركه ولم يعامله. وأخبرني الشيخ عبد الله الحمصي أنه كان في مستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية يعطى ثلاثة من الممرضين ثلاثين قرشًا يوميّا، ويعطي اثنين يساعدانه في الحمام للغسل كلّ أسبوع مائة قرش لمرة واحدة، يغتسل فيها في الأسبوع، ويساعدانه على تنظيف جسمه، ويقول للشيخ عبد الله: جرت عادة بعض المنتمين إلى سلك المشايخ أو العلماء على التقتير الشحّ والمساومة و … فيجب أن نقتلع من رؤوس الناس هذه الفكرة عنهم اهـ).
قلت: وبهذه المناسبة أذكر أن سبب حرصي على التعرّف إليه، والتلمّذ عليه، هو أني لقيته بمكتبة المرحوم السيّد محمد أمين الخانجي، المتوفّى سنة ١٣٥٨ هـ، وهو يلحّ على الخانجي في أن يأخذ أكثر مما طلب، ويقول له: الكتاب يساوي أكثر، وإنما أنت تحطّ من السعر لأجلي، وهذا أمر لا أقبله، والخانجي يصمّم على الرفض، ويقول: إن الثمن الذى أطلبه فيه ربح لي، فعجبت من هذه المحاورة التي يندر حدوثها قديمًا وينعدم حديثًا، وأحببتُ أن تكون لي صلة بهذا العالم الفاضل الذي لا يريد استغلال علمه في أي ناحية مادية، وقد تَمّ لي ذلك بحمد الله، وكنت أنا الفائز بتلقي العلم على علّامة عصره.
ومما هو مشهور بين عارفيه أنه كان لا يقبل أجرًا على تعليمه أحدًا، ولا على تصحيحه كتابًا، بل كان قول ما قاله للسيّد حسام الدين القدسي لما عرض عليه مائة نسخة من كل كتاب صحّحه من مطبوعاته:(هل يجتمع هذا مع الأجرة في الآخرة)، فسكت القدسي.
ولما اشتدّت به العلّة في أُخريات أيامه، وأرهقته أسباب العلاج شرع في بيع كتبه، وامتنع بتاتًا من قبول المعاونات المادية، التى عرضها عليه بعض الفضلاء من تلامذته.