وإنما الذي يستحقّ الهجر هو الرأي المستند إلى الهوى، دون الكتاب والسنة، وأصحابنا براء من ذلك.
وزفر عاش فقيها، يستعمل الرأي واليقظة في الفهم، ومات فقيها ذا بصارة في الرأي والفقه، ولم يكن يرى أن الرأي والفهم في دليل الحكم مما يتاب منه.
ومن الدليل على ذلك ما حدّثه ابن أبي العوام عن الطحاوي عن ابن أبي عمران عن أبي نعيم الفضل بن دكين: دخلت على زفر، وقد احتضر، وهو يقول في حال: لها مهر، وفي حال: لها ثلث مهر. أهكذا يكون من رجع عن الرأي! رضي الله عنه.
وساق أحمد بن محمد بن سعيد التميمي عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول كما رأيت بخطّ الحافظ البرزالي: جاء رجل إلى أبي حنيفة، فقال: إني شربت البارحة نبيذا، ولا أدري طلّقت امرأتي أم لا؟ قال: المرأة امرأتك، حتى تستيقن أنك قد طلّقتها. ثم جاء إلى سفيان الثورى، فقال: يا أبا عبد الله! إني شربت البارحة نبيذا، ولا أدري طلّقت امرأتي أم لا؟. قال: اذهب، فراجعها، فإن كنت قد طلّقتها، لم تضرّك المراجعة شيئا. ثم أتى شريك بن عبد الله، فقال: يا أبا عبد الله! إني شربت البارحة نبيذا، ولا أدري طلّقت امرأتي أم لا؟ قال: اذهب، فطلّقها، ثم راجعها، ثم أتى زفر بن الهذيل، فقال: يا أبا الهذيل! إني شربت البارحة نبيذا، لا أدري أطلّقت امرأتي أم لا؟ قال: هل سألت غيري، قال: نعم، أبو حنيفة، قال: فما قال لك؟ قال: المرأة امرأتك حتى تستيقن أنك قد طلّقتها، قال: الصواب ما قال، فهل سألت غيره؟ قال: سفيان الثوري. فما قال لك!؟ قال: اذهب، فراجعها، فإن كانت قد طلّقتها، فقد راجعتها، وإن لم تكن طلّقتها لم تضرّك المراجعة شيئا. قال: ما أحسن هذا، قال فهل سألت غيره؟ قال شريك بن عبد الله، قال: فما قال لك؟ قال: اذهب، فطلّقها، ثم راجعها. قال: فضحك زفر،