تنبيه: إن ما نقلناه من أحكام الفلوس النافقة عن "رد المحتار" قد ذكره كما ترى في صورتي البيع والقرض، ولا يخفى أن الثمن في البيع والمبلغَ المدفوعَ في القرض يثبتان في ذمة المشتري والمستقرض، وهما من المضمونات، والحكم فيها هو ما نقلناه.
أما لو كانت الفلوس النافقة معقودا عليها، ومدفوعة في عقد تعتبر فيه أمانةً في يد القابض، كالمضاربة، فإن يد ربّ المال إذا أراد استرداد رأس ماله من المضارب فله أن يستردّ مثله لا غير، من غير أن ينظر إلى غَلَاء أو رُخْص، وله أن يقاسم المضارب مالَ المضاربة، ويأخذ منه بقية رأس ماله، وتعتبر فيه القيمة يوم القسمة، لا يوم الدفع، فقد نقل في كتاب المضاربة من "رد المحتار" قبيل المتفرّقات، عن "القنية" ما لفظه: أعطاه دنانير مضاربة، ثم أراد القسمة، له أن يستوفي دنانير، وله أن يأخذ من المال بقيمتها، وتعتبر بقيمتها يوم القسمة، لا يوم الدفع. انتهى.
وما ذكره من الحكم في الدنانير يجري نظره في الفلوس النافقة بالأولى، فلا تعتبر قيمتها يوم الدفع إذا غلت أو رخُصت، وذلك لأن مال المضاربة أمانة في يد المضارب، ويده عليه كيد ربّ المال، فهو بمنزلة ما لو كان رأس المال باقيا بعينه تحت يده، فلا يلزمه إلا ردّه بذاته من غير نظر إلى غَلَاء أو رُخْص، وحيث صار بالصرف المأذون به عروضا فلا يلزمه إلا ردّ مثله إن اختار ربّ المال ذلك، وإن أراد القسمة مع المضارب يأخذ بقيمته يوم القسمة، لا يوم الدفع، إذ بالدفع له لم يثبت في ذمّته، ولم يدخل في ضمانه.
وقد ذكر السرخسي في "المبسوط " في الجزء الثاني والعشرين منه من باب المضاربة بالعروض صفحة ٣٤، فيما لو دفع رجل إلى آخر فلوسا