إلى مدينة "أدرنة"، والإقامة بها اختيارًا منه، لا مأمورًا بالخروج، وصار فيها مدرسًا بـ "دار الحديث"، بمائتي عُثماني.
ثم قدم إلى إستانبول، في دولة السلطان مراد خان بن السلطان سليم، أدام الله أيامه، وولي قضاء العسكر بولاية "روملي"، وأقبل عليه السلطان غاية الإقبال، وحصل له من التمكّن في الدولة ما ذكرناه سابقًا، إلى أن توفي مفتي "الديار الرومية"، حامد أفندي، ففوّض إليه منصب الإفتاء مكانه، ولم يزل مُفتيًا مُشارًا إليه، يُشاور في الأمور، ويُطيع كلامه الجمهور، إلى أن توفي سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، ودفن بالقرب من جامع السلطان محمد الكبير، في تربة أعدّها له قبل وفاته، رحمه الله تعالى. وله تآليف، منها:"شرح على أواخر الهداية" ابتدأ فيه من كتاب الوكالة، من المحلّ الذي وصل إليه ابن الهمام، وكأنه جعله كالتكملة لـ "شرح ابن الهمام"، وهو مع كونه كثير الفوائد، غزير الفرائد، بينه وبين "شرح ابن الهمام" بون بعيد، وفرق أكيد، وله حاشية على "شرح المفتاح" للسيّد الشريف، وكتاب "مُحاكمات" بين صدر الشريعة، وابن كمال باشا، وله غير ذلك رسائل كثيرة، في فنون عديدة.
قلت: تكملته لـ "فتح القدير" هي "نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار"، وله "تعليقة" على "التلويح شرح تنقيح الأصول" للتفتازاني، وحاشية على "شرح تجريد الكلام"، و"شرح هداية الحكمة" للأبهري.
وكان مع العلَّامة مفتي "الديار الرومية" محمد بن الشيخ بن إلياس، حين كانا قاضيين بالعسكر المنصور، سببًا في تقديم قُضاة العسكر على أمراء الأمراء في الجلوس عليهم، وحصل بذلك لأهل العلم شرف زائد، وتضاعف الدعاء منهم بسبب ذلك لحضرة السلطان مراد، وعدّ ذلك من محاسن أيامه، - أدامها الله تعالى، ومتّع المسلمين بطول بقائها -.