عصاة بني إسرائيل، فشقّ ذلك على المرسلين، فأوحى الله إليهم اختاروا لأنفسكم إن شئتم أنزلت بكم العذاب، وأنجيت بني إسرائيل، وإن شئتم نجيتم، وأنزلت العذاب علي بني إسرائيل، فتشاوروا بينهم، فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب، وينجي الله بني إسرائيل، فأنجى الله بني إسرائيل، وأنزل بأولئك العذاب، وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض، فمنهم من نشر بالمناشير، ومنهم من سلخ جلد رأسه، ومنهم من حرق بالنار. والله أعلم.
قال الحسن: أولو العزم أربعة: إبراهيم، وموسى، وداود، وعيسى، فأما إبراهيم فقيل له: أسلمْ، قال:{أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، ثم ابتلي في ماله، وولده، ووطنه، ونفسه، فوجد صادقا وافيا في جميع ما ابتلى به.
وأما موسى فعزمه حين قال له قومه:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، فقال:{كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، وأما داود، فأخطأ خطيئة، فنبّه عليها، فأقام يبكي أربعين سنة، حتى نبت من دموعه شجرة، فقعد تحت ظلّها، وأما عيسى فعزمه أنه لم يضعْ لبنة على لبنة، وقال أنها معبرة، فاعبروها، ولا تعمروها، وكان الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: اصبرْ إن كنتَ صادقا فيما ابتليتَ به مثل صدق إبراهيم، واثقا بنصرة مولاك كمثل ثقة موسى مهتما كا سلف من هفواتك مثل اهتمام داود زاهدا في الدنيا مثل زهد عيسى، ثم قيل: هي منسوخة بآية السيف، وقيل: هي محكمة، وإلا ظهر أنها منسوخة، لأن السورة مكية.
وذكر مقاتل أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فأمر الله تعالى رسوله أن يصبر على ما أصابه، كما صبرَ أولو العزم من الرسل، تسهيلا عليه، وتثبيتا له. والله أعلم. انتهى كلام الحافظ القرشي في الجواهر المضية.