ولم يكن صنيع أمين الفتوى هذا لتحزّبه لرجال الانقلاب، بل لصدق تمسكّه بالشرع الأغرّ، يدلُّك على هذا إباؤُه أيضًا تصديق الإعلامات المرفوعة إليه من المحكمة العسكرية، على العادة الجارية حينذاك، في إعدام أناس في أواخر عهد السلطان عبد الحميد، حينما استولّى جيشُ الانقلاب على العاصمة سنة ١٣٢٧ هـ، باعتبار أن تلك الأحكام غير شرعية في نظره، وإن نفَّذوها من غير أن يشاطرهم الإثم. وكانت الفتنة مصطنعة للتوصّل بها إلى خلع السلطان، وقد دعي أمين الفتوى هذا إلى جلسة سرّية، عقدتْ في دار الشورى، لتقرير خلع السلطان عبد الحميد، فاستفتوه، فأبى الإفتاء على رغبتهم، قائلا لهم: لم يحدثْ في الحالة الراهنة ما يوجب نقض بيعته المنعقدة عند إعلان الدستور، ولما أصرّ على هذا قام أحد العلماء، وهمس في أذنه، فإذا أمين الفتوى يقوم في الحال، ويغادر الجلسة، ويستقيل، ثم وجدوا من يكتب لهم بالمجلس استفتاء باستقاء سبب من قعر ماض بعيد، فوقَّع مفتيهم عليه، وتمّ ما أرادوه. والذي همس في أذنه كان قال له: إصرارك هذا قد يوقع السلطان فينا هو أفظع من الخلع، بالنظر إلى ما يضمر رجال الانقلاب ضدَّه، فبادر بالابتعاد عن أن يكون بوضعه السلبيّ شريكا لهم في الإثم أيضًا، وأين أين مثله رحمه الله؟ توفي سنة ١٣٢٨ هـ.