ورحم الله الإمام الصفدي، حيث قال: والتاريخ للزمان مرآة، وتراجم العالم للمشاركة في المشاهدة مرقاة، وأخبار الماضين لمعاقر الهموم ملهاة.
وربما أفاد التاريخ حزمًا وعزمًا، وموعظةً وعلمًا، وهمةً تذهب همًا، وبيانًا يزيل وهنًا ووهمًا، وجيلًا تثار للأعادي من مكامن المكايد، وسبلًا لا تعرج بالأماني إلى أن تقع من المصائب في مصايد، وصبرًا يبعثه التأسّي بمن مضى، واحتسابًا يوجب الرضا بما مرّ، وحلا من القضا، {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، فكم تشبث من وقف على التواريخ بإذيال معال تنوعت أجناسها، وتشبه بمن أخلده خموله إلى الأرض، وأصعده سعده إلى السهى، لأنه أخذ التجارب مجانًا من أنفق فيها عمره، وتجلت له العبر في مرآة عقله، فلم تطفح لها من قلبه جمرة، ولم تسفح لها في خده عبرة، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
ولقد أدرك العقلاء والفضلاء أهمية علم التراجم وسير الأفراد، لأن ذكر رجالات الأمم والبلدان فيه إحياء الأولين والآخرين من علمائها … ، فإن ذكرها حياة جديدة، و {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.
ومن فوائد التراجم: حسن الاقتداء بمن سلف، قال الحافظ ابن الجوزي: واعلم أن في ذكر السير والتواريخ فوائد كثيرة، أهمها فائدتان: أحدهما أنه إذا ذكرت سيرة حازم، ووصفت عاقبة حاله، أفادت حسن التدبير، واستعمال الحزم، وإن ذكرت سيرة مفرط، ووصفت عاقبته، أفادت الخوف من التفريط، فيتأدّب المتسلط، ويعتبر المتذكر، ويتضمن ذلك شحذ صوارم المعقول، ويكون روضة للمتنزه في المنقول.