إلى ألغ بيك صاحب "سمرقند"، فلمّا وصلتُ إليه، رحب بي، وأكرمني غاية الإكرام، وأخذ يحادثني في بعض الأيام، ويسألني عن كيفية الحرم الشريف، وكيف مثال الكعبة، والحجر الأسود وغير ذلك، فصرت أصف له كلّ ما بالحرم من البناء وغير ذلك، وهو لا يكرّر مني اللفظ، بل يفهمه من أول مرّة كأنه رآه، فذهل عقلي مما رأيت من ذكائه المفرط، وصرتُ كلّما جالسته بعد ذلك أسمع منه من الغرائب ما أتعجب منه، من كثرة محفوظه للشعر، واستشهاده على ما يحكيه من الحكايات بكلام العرب، وحفظه للتاريخ، ومع ذلك يعتذر بقلّة معرفته باللغة العربية.
وتذاكرت معه أيضًا فجرى ذكر أشراف مكّة بني حسن، فقال بعض من حضر: هم أولاد جوار، فأنشد ألغ بيك المذكور في الحال قول الشاعر:
لا تَحْقِرَنَّ امْرَءًا مِن أَن تكون له … أمٌ من التُّرْكِ أو سوداء عُجْماء
وألغ بيك هذا، هو أسن أولاد أبيه شاه رخ، ولما مات أبو، أقامتْ زوجته في الملك ولد ولدها علاء الدولة، وتركت ولدها ألغ بيك، فلمّا بلغ ألغ بيك ذلك جمع العساكر، وتوجّه إلى "هراة"، واستولّى عليها، وهزم أمه، وابن أخيه منها، وأخذ غالب خزائن والده، وعاد إلى "سمرقند" مؤيّدًا منصورًا.
وأقام بها إلى أن خرج عن طاعته ولده عبد اللطيف، وخلعه من السلطنة، واستولّى على مملكته، ثم أنه قتله، في خبر طويل.
ويحكى أنه قال حين أمر بقتله: والله لقد علمتُ أن هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا من يوم ولد، لكن أنساني القدر ذلك، والله لا يعيش بعدي إلا خمسة أشهر، ثم يقتل شر قتلة، وكان الأمر كذلك.