والإفادة وتربية أرباب الإرادة، إلى أن توفي رحمه الله في شهر ذي القعدة سنة ثمانين وتسعمائة، وصلّى عليه في جامع السلطان محمد خان، واجتمع في جنازته خلق كثير لا يحصون عددا، ودفن في داخل "قسطنطينية" تجاه زاويته المزبورة، وبني على قبره.
كان رحمه الله عالما فاضلا، عابدا، صالحا، معرضا عن أبناء الدنيا، غير مكترث بالأغنياء، لم يدخل قطّ باب أمير، ولم يطأ مجلس وزير، لم يعبأ بأرباب الحكم والمناصب، ولم يتردّد إلى بابهم، ولم يتقيّد بما عندهم وما بهم، كلّما أرادوا صحبته، وأحبّوا رؤيته قابلهم بالاجتناب، ودفعهم بأحسن جواب.
وكان رحمه الله مشهورا بردّ صدقاتهم، ودفع عطياتهم، ومع ذلك ترك من النقد ما يقرب ثمانية آلاف دينار، وقوم سائر أملاكه بعشرة آلاف دينار، فتحير الناس في إقامة السبب، وقضوا منه العجب.
وكان رحمه الله في غاية الحبّ والميل إلي خيائر الخيل، وكان يكثر من اقتناء الصافنات، ويرسل بعضها إلى الأمراء الغزاة، وقد ذهب عمره بالتجرّد والانفراد، ولم يتقيّد بقيد الأهل والأولاد.
وكان رحمه الله صاحب جذبة عظيمة، وغاية قبول، وله في تعبير المنامات ما يبهَر العقول، ومن عادته رحمه الله أنه يحضر في بعض الجنائز، فيلقن الميت، ويخاطبه على ما هو المعروف، فيسمع من الميت صوته الذي يسمع منه في حياته، مجيبا عما يسأله، وقد سمعه غير واحد من العلماء الأعيان في متفرّقات الأحيان، ومن ذلك طعنه على علماء أوانه ومشايخ زمانه، خصوصا الشيخ مصلح الدين المشتهر بنور الدين زاده، فإنه حصل بينهما وحشة عظيمة، فإنه كان يطعن فيه على الفعل المزبور، ويقول: إنه