للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم كان بكّار إذا حضر مجلس المظالم للمناظرة يعاد إلى السجن إذا انقضى المجلس، وكان يغتسل في كلّ يوم جمعة، ويلبس ثيابه، ويجيء إلى باب السجن، فيردّه السجّان، ويقول: أعذرني أيّها القاضي، فما أقدر على إخراجك.

فيقول: اللّهم اشهدْ.

فبلغ ذلك أحمد، فأرسل إليه: كيف رأيت المغلوب المقهور، لا أمر له، ولا نهي، ولا تصرّف له في نفسه، لا يزال هكذا، حتى يردّ على كتاب المعتمد بإطلاقك.

ولما طال حبس بكّار (١) طلب أصحاب الحديث إلى أحمد أن يأذن لهم في السماع منه (٢)، فكان يحدّثهم من طاق السجن، فأكثر من سمع منه في آخر عمره كان كذلك.

قال ابن زولاق: ثم أمر ابن طولون بنقل بكّار من السجن إلى دار اكتريتْ له عند درب الصقلي، فأقام فيها.

فلمّا مات أحمد بن طولون بلغ بكّارًا، فقال: ما للناس؟! قيل: انصرف أيّها القاضى إلى منزلك، فقد مات أحمد ..

فقال: الدار بأجرة، وقد صلحتْ لي.

وعاش بعد ابن طولون أربعين يومًا، ومات في تلك الدار، وكانتْ جنازة حافلة جدًا، وما روى أحد فيها راكبًا، وصلّى عليه ابن أخيه محمد بن الحسن بن قتيبة، ودفن بطريق "القرافة". والدعاء عند قبره مستجاب، ومات يوم الخميس، لخمس بقين من ذي الحجّة، سنة سبعين ومائتين، وقد قارب التسعين، وكانتْ مدّة ولايته أربعًا وعشرين سنة، -رحمه الله تعالى، ورضى عنه، ونفعنا ببركاته، آمين-.


(١) رفع الإصر ١: ١٥٤.
(٢) تكملة من رفع الإصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>