ثم خرج في طلب شيخ، فساح في الجبال والبراري والأغوار والأنجاد، حتى وصل إلى الشيخ الله بخش الشطاري الكده مكتيسري، فتلقّاه الشيخ بحسن القبول، وأظهر له أنه كان منتظرا له، وكانت طريقة الشيخ أن لا يلقّن أحدا إلا بعد إدخاله في الخدمات والرياضات الشاقّة، التي تنكسر بها النفس، وتحصل بها التزكية، فكان يحمل الماء إلى المطبخ فوق طاقته، فبعد ما تمّ له ثلاثة أشهر قال له الشيخ: قد تمّ أمرك، ثم لقّنه ذكر العشقية، فاشتغل به، ولم يزل في خدمته، حتى وصل إلى الكمال والتكميل.
وأجازه الشيخ بالطريقة العشقية والقادرية والجشتية والمدارية، وحصلت له الإجازة من رئيس كلّ طريق، وكذلك حصلت له الإجازة في الطريقة الكبروية من روحانية الشيخ نجم الدين الكبرى، وله رسالة في بيان سلوكهم، وكان خدم الشيخ عشر سنين.
ثم لما وصل الشيخ الأجلّ محمد عبد الباقي النقشبندي بـ "لاهور"كتب إليه كتابا، وكان شيخ التاج الدين حينئذ في "سنبهل"، فلما أتاه كتابه عزم على زيارته، فلمّا وصل إليه توجّه إلى سلوك الأكابر النقشبندية، فتمّ سلوكه في ثلاثة أيام، ثم أجازه الشيخ بتربية المريدين، وهو أول من أجازه، وصحبه عشر سنين، وكانت الصحبة بينهما كصبحة شخصين، لا يدري أيهما عاشق وأيهما معشوق، وكانا يأكلان في إناء واحد، ويرقدان على سرير واحد، فلم يزل مقيّدا بالتسليك بسلوك النقشبندية، بعد ما أجازه الشيخ عبد الباقي المذكور، ورخّص له.
وكان يقول: إن الأكابر النقشبندية هم أرباب الغيرة، ويذكر أن بعد إجازة الشيخ اشتغل بالتربية على طريق الأكابر، وكان إذا أتاه طالب يريد الطريقة العشقية أو غيرها، يلقّنه فيها، ويربّيه، حتى أنه في بعض الأيام حضرتْ روحانية الشيخ الكبير عبيد الله الأحرار رضي الله عنه للشيخ عبد الباقي - رحمه الله تعالى -، وقال: إن تاج الدين يأكل من مطبخنا، ويشكر